متسكعان على الشاطئ

متسكع أول: البلاستيك يُحاصرنا من البر والبحر، حصار نفايات البلاستيك، يفتك بالكوكب الأزرق. أخرجوا من بطن حوت عنبر، على أحد الشواطئ الأوروبية، 200 كيلو جرام من زجاجات وأكياس البلاستيك.

متسكع ثانٍ: انظر إلى الجانب العملي، لا تستسلم للتشاؤم، سيجد الإنسان طريقاً للنجاة. بنك نفايات البلاستيك. أعظم تراكم يحققه الإنسان. بنك نفايات بلاستيك كوني.
  
متسكع أول: دائماً يجد البنك طريقاً للبقاء. مَنْ سيدير بنك نفايات البلاستيك؟

متسكع ثانٍ: عائلة روتشيلد.

متسكع أول: ملكية أم حيازة؟

متسكع ثانٍ: وهل هناك فرق؟

متسكع أول: بحسب هيغل هناك فرق، فالملكية تأتي عبر تهذيب شخص ما، لذهنه وجسده، فيصبح هذا الشخص مالكاً لنفسه، كما يصبح ملكية خاصة لذاته، أمّا حيازة شيء ما لم يملكه شخص آخر بعد، فهي تعني الاستيلاء، والملكية بوضع اليد، والقبض على شيء، مع تشكيله، وجعله ملكية خاصة.

متسكع ثانٍ: إذن فهي حيازة.

ماء موجة يزحف على الشاطئ، ويلامس أقدام المتسكعين الدعيين. تلفظ الموجة زجاجة مياه معدنية فارغة. يسأل المتسكع الثاني صديقه المتسكع الأول الذي يسحب قدمه قليلاً عن ملامسة ماء الموجة.
متسكع ثانٍ: إنت جايب سندويشات إيه؟

متسكع أول: كبدة ومخ وروزبيف.

متسكع ثانٍ: هات واحد روزبيف.

يُخرج المتسكع الأول من بطن حقيبة بلاستيكية كبيرة، سندويش الروزبيف العملاق، الملفوف بورق أبيض شفاف إلى ما قبل قمته بقليل، ثم يُخرج علبة حمراء مربّعة من البلاستيك، بها مخلل، قطع الخيار، والفلفل الحار، والليمون المعصفر، ثم يُخرج أخيراً زجاجتين غازيتين من البلاستيك، كوكاكولا، وسبرايت دايت، وكوبين كبيرين من البلاستيك.

متسكع أول: كيف ستتراكم القيمة في بنك نفايات البلاستيك الكوني؟

يأخذ المتسكع الثاني قضمة هائلة من سندويش الروزبيف، كادت تحف كورنيش الورق الأبيض الشفاف الملفوف بإحكام حول السندويش، بينما أخرج المتسكع الأول سندويش المخ، وهو يضاهي في ضخامته سندويش الروزبيف.

متسكع ثانٍ: معروف أن حدّي القيمة في المال، هما الندرة من جانب، والوفرة من جانب آخر، قيمة استعمالية تتعلق بمدى حاجة الفرد للمال. بنك نفايات البلاستيك الكوني، سيستند فقط إلى القيمة التبادلية، وهي قيمة البلاستيك في ذاته.

متسكع أول: ومَنْ سيقوم بتقدير تلك القيمة؟

متسكع ثان: تقدير قيمة نفايات البلاستيك، سيأتي من خارج الكوكب الأزرق، ربما من كائنات فضائية، تفتقد تخليق البلاستيك، سلعة ثمينة بالنسبة لهم، يُبادلها بنك النفايات بسلعة لا يعرفها البشر، ثم يتحكم البنك في ندرة، ووفرة سلعة الكائنات الفضائية، فيسيل لعاب البشر، وهكذا تولد مرة أخرى شهوة القيمة الاستعمالية، وتدور العجلة، فتُطبع الأوراق المالية.

سالت عصارة الليمونة المعصفرة على جانب فم المتسكع الثاني، فأدركها سريعاً بلسانه وإصبعه، بينما صب المتسكع الأول مياه الكوكاكولا الفوارة في الكوب البلاستيك.

المتسكع الأول: وهل نجازف بانتظار قد يطول للكائنات الفضائية؟

المتسكع الثاني: لا طبعاً. وكالة ناسا تعمل الآن على الحل الجذري، وهو الهروب من كوكب الأرض نهائياً.

المتسكع الأول: المريخ الأحمر. عقدة هوليوود.

المتسكع الثاني: لا كوكب "بروكسيما بي"، فركة كعب، أول جار بعد المجموعة الشمسية. المسافة أربع سنين ضوئية.

المتسكع الأول: الوصول للمريخ يستغرق تقريباً 12,0 دقيقة ضوئية، ولم يطأ رواد الفضاء أرضه بعد.

المتسكع الثاني: وكالة ناسا تقوم بالتحضير لأول رحلة آهلة برواد الفضاء، للكوكب الأحمر. ذهاب دون عودة. قسوة لا بد منها. زمن الرحلة بمقياس السرعة المتاحة للإنسان 17 شهراً تقريباً. تحدّث بعض علماء الفضاء عن الجانب الأخلاقي المتدني لوكالة ناسا. رحلة ذهاب دون عودة. وكالة ناسا لم تخجل، وألمحت إلى التضحية في سبيل الاكتشاف العلمي، ومستقبل البشرية.

المتسكع الأول: دعنا نعود لحصار البلاستيك. سأروي لك حكاية واقعية عن صيّاد السمك الذي اعتاد على صيد 1000 كيلو جرام من السمك في أسبوع عمل. وجد الصيّاد حصة صيده تتناقص تدريجياً في السنوات الأخيرة. 900 كيلو جرام من السمك، و100 كليو جرام من نفايات البلاستيك، ثم 700 كيلو جرام من السمك، و300 كيلو جرام من نفايات البلاستيك. ذهب الصيّاد إلى السجل المدني من أجل تغيير مهنته من صائد سمك إلى صائد بلاستيك.

طلب المتسكع الثاني، سندويش الكبدة، وهو يصب المياه الغازية الدايت، من زجاجة بلاستيكية سبرايت، في الكوب البلاستيكي الشفاف. ناوله المتسكع الأول سندويش الكبدة العملاق.

المتسكع الأول: موظف السجل المدني قال لصائد السمك: من الممكن تغيير مهنتك إلى صائد بلاستيك في حالة إذا كانت حصة صيدك الأسبوعية فوق 500 كيلو جرام من البلاستيك. إذا تجاوزت النصف من حصة صيدك الأساسية 1000 كيلو جرام من السمك. قال له صيّاد السمك: أنا في الطريق لتجاوز النصف.

بعث موظف السجل المدني موظفاً آخر للمأموريات الخارجية، مع صيّاد السمك، مهمته مراقبة حصة صيد السمك الأسبوعية. خلال عام نمت صداقة بين صيّاد السمك، وبين موظف المأموريات الخارجية للسجل المدني. ونمت أيضاً كيلوات البلاستيك. 900 كيلو جرام من البلاستيك في شباك الصيّاد، و100 كيلو جرام من السمك. وافق السجل المدني على تغيير مهنة صيّاد السمك إلى مهنة صيّاد البلاستيك. والآن يبيع صيّاد البلاستيك كيلوات البلاستيك لإعادة للتدوير، ومكسبه يُعادل تقريباً مكسبه القديم من صيد السمك.
متسكع ثان: ليس دفاعاً عن بنك نفايات البلاستيك الكوني، لكن إعادة تدوير البلاستيك عملية متواضعة جداً قياساً بكمية البلاستيك العالمية. أيضاً لا هروب من إعادة صهر البلاستيك، والصهر ضرره البيئي شديد، إضافةً إلى أن الإنتاج الجديد من البلاستيك لا يتوقف.