سوريون يهربون من القصف في إدلب.(أرشيف)
سوريون يهربون من القصف في إدلب.(أرشيف)
الجمعة 27 ديسمبر 2019 / 13:53

إدلب تدفع ثمن أحلام أردوغان

تكثر في وسائل إعلام موالية للحكومة التركية التقارير عن غواصات تركية جديدة، وريادة تركية في تقنية زراعة الشعر، وهواجس حيال الوضع في ليبيا وكشمير، ولكن نادراً ما يرد ذكر الهجوم الواسع الذي يشنه الجيش السوري ضد محافظة إدلب، مما قد يسفر عن هروب مليون لاجئ، وقد فرَ فعلياً حوالي 25 ألف شخص.

تمثل سوريا بوابة خلفية لتركيا، ولكن السماح بسقوط جزء من إدلب في مقابل التوصل إلى اتفاقات كبيرة مع روسيا حول أنابيب نفط، ودفاع جوي وبشأن ليبيا، يعتبر بمثابة مقايضة مربحة

ويلفت سيث فرانتزمان، كاتب لدى منتدى الشرق الأوسط، إلى أن تركيا كانت حليفاً للمعارضة السورية التي تحارب النظام السوري منذ عام 2011. وقد عززت قدرات الجيش الوطني السوري، وهو مجموعة من تنظيمات سورية معارضة، جندت أنقرة أفراده ودربتهم ونقلتهم عبر أراضيها، كي يحاربوا قوات سوريا الديمقراطية(قسد) ذات الغالبية الكردية.

ويقول فرانتزمان إن عائلات هؤلاء المتمردين السوريين يقصفون اليوم في إدلب، في ظل طقس شتوي قارس، ونقص في المحروقات. وبدأ سكان المنطقة في الهرب، ولكن مراكز مراقبة تركية، أكثر من عشرة منها في إدلب، تشاهد ما يجري، ولا تحرك ساكناً.

أهداف حقيقية
ويرى كاتب المقال أن أهداف أنقره الحقيقية تتجلى من خلال صمتها، فيما تطير القيادة التركية إلى ماليزيا لحضور قمة إسلامية، وتستعد للتباحث مع روسيا بشأن هجوم عسكري في ليبيا، فضلاً عن التحضير للقاء ثلاثي جديد في منطقة القوقاز. ويبدو أن أنقره لا تمانع في استعادة الحكومة السورية المدعومة من روسيا السيطرة على إدلب. كما تحتاج تركيا إلى علاقات جيدة مع روسيا وإيران لأسباب أخرى، وهما اللتان تدعمان النظام السوري في هجومه على إدلب.

وحسب الكاتب، لم يمثل قط المتمردون السوريون أولوية بالنسبة لتركيا، بل استخدمتهم تركيا لخدمة أهدافها، وجندت آلافاً لمحاربة وحدات حماية الشعب الكردي في إدلب عام 2018، ومن ثم أرسلتهم لمحارية الأكراد قرب تل أبيض في أكتوبر( تشرين الأول) 2019، في ظل انسحاب الولايات المتحدة من أجزاء من شمال سوريا. كما نقلت تركيا متمردين سوريين من مكان إلى آخر. ولكن عندما تعلق الأمر بحماية منازلهم في سوريا، لم تبد سوى القليل من الاهتمام لمساعدتهم. وتخطط تركيا لإعادة لاجئين سوريين، تستضيف منهم قرابة 4 ملايين، إلى مناطق كردية في شمال سوريا. ويرى الأكراد أن ما يجري عبارة عن تغيير ديموغرافي.

آخر معقل
وبرأي الكاتب، لا تمثل إدلب أولوية بالنسبة لتركيا، رغم وجود مليون شخص هناك، لأنها تدار جزئياً من هيئة تحرير الشام ومجموعات متطرفة ومتمردة أخرى لا تخضع لسيطرة تركيا الفعلية. وعلى خلاف عفرين وجرابلس وتل أبيض، حيث أطلقت تركيا هجمات منذ عام 2016، تعتبر إدلب آخر معقل فعلي للمتمردين السوريين. وعندما تسقط أو يسقط جزء منها، سضطر ما تبقى من تلك التنظيمات للهروب نحو عفرين والخضوع للهيمنة التركية. وسوف يعزز ذلك وضعاً تخلو فيه مناطق قريبة من الحدود من ضربات جوية تبعاً لاتفاق تركي – روسي. وإلى أن يحين ذلك، تقصف اليوم القوات الجوية الروسية أينما تشاء في إدلب. وقضى اتفاق، وقع في سبتمبر( أيلول) الماضي، بين تركيا وروسيا بوقف الهجوم السوري. ولكن الحكومة السورية تريد استرداد أجزاء من إدلب.

سياسات أخرى
وتقول وكالة رويترز إن الجيش السوري استولى بالفعل على 20 قرية، وأن قرابة 500 ألف هربوا خلال العام الحالي من القتال، بمن فيهم 80 ألفاً هربوا الأسبوع الماضي.

وتساءلت صحيفة الشرق الأوسط السعودية ووسائل إعلام أخرى عما يجري في إدلب، وإن كان يرتبط بسياسات تركيا الأخرى في المنطقة؛ وربما بسعيها لإرسال قوات إلى ليبيا.

إلى ذلك، وافق البرلمان التركي على اتفاق تعاون أمني وعسكري مع حكومة طرابلس في ليبيا. كما تريد تركيا الاستحواذ على حقوق تنقيب، ووقعت صفقة مع الحكومة الليبية الضعيفة، ما أغضب اليونان التي أرسلت مسؤولين إلى مصر والخليج وليبيا. كما أرسلت تركيا طائرات دون طيار إلى قبرص وتحرشت ببعثة علمية إسرائيلية في البحر.

غايات
وحسب الكاتب، كل ذلك يشير إلى سعي تركيا للعب دور رئيسي في العالم، ولكن التطورات في إدلب تلهيها عن غاياتها. وهي تريد عقد صفقات تجارية مع قطر وإيران وماليزيا، وتسعى للسيطرة على المتوسط، وبناء قواعد في قطر والصومال ولربما في ليبيا وأبعد منها.

وتمثل سوريا بوابة خلفية لتركيا، ولكن السماح بسقوط جزء من إدلب في مقابل التوصل إلى اتفاقات كبيرة مع روسيا حول أنابيب نفط، ودفاع جوي وبشأن ليبيا، يعتبر بمثابة مقايضة مربحة بالنسبة إليها.

لكن تلك أنباء سيئة بالنسبة للمتمردين السوريين، وربما يدركون أن أنقره قايضت على بيوتهم في إدلب في سبيل التعاون مع موسكو. إنهم في إدلب يعانون من نقص في المحروقات على بعد بضعة كيلومترات من الحدود التركية، ولكن أنقرة تبدي اهتماماً أكبر بحقوق طاقة على بعد مئات الكيلومترات قريباً من ليبيا.

وقد يرسل المزيد من هؤلاء المقاتلتين السوريين لمحاربة قوات قسد، أو للقتال في حروب تركية أخرى. وستواصل إدلب دفع ثمن أحلام أنقره العالمية.