يابانيون يحتفلون بعيد الميلاد (أرشيف)
يابانيون يحتفلون بعيد الميلاد (أرشيف)
الجمعة 27 ديسمبر 2019 / 20:02

كريسماس في اليابان

استيقظ تاكيشي أوكاوارا فزعاً في إحدى ليالي عام 1970 ليدون الفكرة العبقرية التي داهمته في المنام، وأراهن على أن أشد كوابيسه جنوناً لم يكن ليتكهن بالطريقة التي سيقلب بها أوكاوارا عادات وتقاليد مجتمعه.

هل تخيّل يوماً أن يُصبح ثلث دخل مبيعات "دجاج كنتاكي" في السنة مرتبطاً باحتفالات الكريسماس؟

فرغم أن الديانة المسيحية وصلت إلى اليابان في 1549، ومُورست سراً وعلانيةً من قبل آلاف المواطنين، إلا أنها ظلت تفتقر إلى تقليدٍ خاصٍ للاحتفال بعيد الميلاد.

وتغير كل شيء إلى الأبد حينما استرق أوكاوارا، الذي كان مدير أول فرع لسلسلة مطاعم "دجاج كنتاكي" في البلاد، السمع إلى حوارٍ بين وافدين غربيين مشتاقين إلى تقاليد الكريسماس في أوطانهم، حيث يتوسط المأدبة ديكٌ روميٌ لذيذٌ، أو خنزيرٌ سمين.

وهكذا قرر أوكاراوا أن يُقدّم "البرميل" الضخم من الحجم العائلي من قطع الدجاج المقلي، وأن يسوق لمنتجه باعتباره مثالياً لتجمع أفراد العائلة حوله، للاحتفال بعيد الميلاد.

فبغض النظر عن معتقداتهم الدينية، إذ لا تتعدى نسبة المسيحيين 1% أصلاً من سكان البلد الآسيوي، بدت هذه المناسبة السنوية ممتعةً ومبهجةً لليابانيين المُنفتحين بتزايدٍ على الغرب، وفرصةً رمزيةً جميلةً لممارسة صلة الرحم.

ولقد استغل أوكاوارا ذلك بنجاحٍ.

فهل تخيل يوماً أن يُصبح ثلث دخل مبيعات "دجاج كنتاكي" في السنة مرتبطاً باحتفالات الكريسماس؟ وهل تخيل أن يصبح تفريغ "البراميل" تقليداً تحبه وتحرص عليه 3.6 ملايين عائلة يابانية بغض النظر عن عقيدتها؟

بل، هل تخيلت القلة الكاثوليكية من اليابانيين التي قاست التعذيب حتى الموت لاعتناقها المسيحية في القرن الـ16، كل هذه الطوابير من المحتشدين خارج فروع "دجاج كنتاكي" تكريماً لمولد عيسى بن مريم عليه السلام، في حين، للمفارقة، لا تؤمن الأغلبية الساحقة منهم بنبوءته؟

من يحاول عزل مجتمعه عن المناسبات والاحتفالات العالمية، على غرار رأس السنة الميلادية، وعيد الحب، وعيد الأم، وغيرها لا يقل جنوناً عن الشوغونات، أو الحكام العسكريين الذين عزلوا اليابان عن بقية الكوكب، طوال قرونٍ من الزمن.

بل مجرد محاولة التغاضي عن الفائدة التي تعود بها هذه الأعياد والمناسبات على التجارة، ودورها في تنشيط قطاعٍ مثل السياحة، يبدو لي ضرباً من "الحمورية".

ولكني أستشعر كذلك تلك الغيرة التي تستعر في دواخلنا على عاداتنا وتقاليدنا المميزة، والخوف المفهوم عليها من أن تُطمس بنفس "الفرشاة البيضاء" التي ستصير مدننا، وأحياءنا، وأسواقنا مع حلول كل شتاءٍ إلى نسخٍ متشابهةٍ مع نظيراتها في الغرب.

ولهذا، بينما لن تجدني أطلي وجهي مثل زكية زكريا لإحياء "الهالوين"، فأنا في بحثٍ سنويٍ عن تقليدٍ شخصيٍ خاصٍ بي للاحتفال برأس السنة الميلادية، بل وربما، مثل آلاف اليابانيين، اتخذ منه ذريعةً للاجتماع بمن أحب، والترويح عن نفسي.

لقد جربت المبيت في الصحراء، وجربت قضاء الأمسية في دور السينما. وربما أفتك، في هذه السنة، ببرميلٍ كاملٍ من دجاج كنتاكي. لم لا؟