الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والتونسي قيس سعيّد (أرشيف)
الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والتونسي قيس سعيّد (أرشيف)
الجمعة 27 ديسمبر 2019 / 20:14

أردوغان... المشروع والمأزق والهروب إلى الامام؟

من يرصد الحركة السياسية السريعة للرئيس التركي طيب رجب أردوغان يشعر بأن الرجل يتصرف كمن يريد الهروب من مأزقه أو على حد تعبير الشاعر الكبير محمود درويش في قصيدة "مديح الظل العالي" يريد محاصرة حصاره "، وأنا أميل إلى أنه يحاول النجاة من حصاره، ومأزقه في وقت واحد.

تاريخ أردوغان مع الفكر الديني والعمل السياسي معروف بطابعه الانقلابي وعدم اتزانه واستقراره

قبل شهر تقريباً كان في الدوحة واجتمع مع الأمير تميم بن حمد في إطار الاجتماع الخامس للجنة الاستراتيجية العليا للبلدين، ثم قام بزيارة مفاجئة لليبيا، وأبرم اتفاقاً عسكرياً وأمنياً مع فايز السراج، وبعدها كان عراب اجتماع كوالالمبور لما يسمي بالمجموعة الاسلامية، أو ما أطلق عليها أنا شخصياً مجموعة "أردوغان الإسلامية" والتى تضم ماليزيا، وتركيا، وقطر، وأندونيسيا، وباكستان، والأخيرتان لم تحضرا وتمت الاستعاضة عنهما بالحضور الإيراني الغريب والمريب.

وقبل أيام زار تونس في زيارة لم يعلن عنها مسبقاً، وحاول إقناع الرئيس التونسي قيس سعيد بدعم نيته التدخل العسكري في ليبيا، لكنه فوجئ بموقف الرئيس الرئيس التونسي الرافض للتدخل في الشان الليبي، ووقوف بلاده على مسافة واحدة من كافة الاطراف في ليبيا.

وبعد الرفض التونسي أعلن أنه سيقوم بتقديم مشروع قرار للبرلمان التركي يسمح له بالتدخل عسكرياً لصالح قوات فايز السراج.

من خلال هذه البانوراما، يمكننا استكشاف مدى الأطماع التي تسيطر على عقلية الرئيس التركي في العالم العربي والإسلامي. فأردوغان يتصرف باعتباره "مفوضاً إلهياً" بأمور الأمة الإسلامية، وهو شعور ناتج من عقدتين، وهما عقدة التاريخ والمتمثلة في رغبة دفينة في أعماقه في إعادة حركة التاريخ إلى الوراء أو الخلف، وأقصد هنا التعامل مع الأمة العربية والإسلامية باعتبارهما تابعتين للسلطنة العثمانية، في حالة انفصام عقلي ونفسي عن الواقع عمرها 97 عاماً، أي أن أردوغان لا يزال يرفض الواقع الذي نتج عن انهيار الخلافة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني عام 1922.

أما الثانية، فعقدة أتاتورك ومشروعه العلماني الذي غير وجه وشكل تركيا، فأردوغان بخلفيته المتدينة والمرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، يرى أن مشروعه المصيري والاستراتيجي يتمثل في إعادة تركيا إلى الإسلام العثماني، أو إلى دولة الخلافة وتحريرها مما يطلق عليه "قبضة العلمانية".

وفي "تنفيسه" عن العقدتين يرتكب أردوغان أخطاءً استراتيجية أبرزها على الإطلاق التصاقه بوهم أنه وريث دولة الخلافة العثمانية، وأنه هو لا غيره قادر على إعادة أمجاد الهيمنة العثمانية إلى سابق عهدها وتحديداً على حساب "الإقليم العربي"، وأن مشروعه هذا يملك شرعية دينية وتاريخية تنهل من فكر الإخوان المسلمين، أي حسن البنا، وسيد قطب.

ومع ذلك أعتقد أن هذا الرجل سينقلب بعد فترة من الزمن على فكر الإخوان المسلمين لأن شخصية مثل رجب طيب أردوغان، هي شخصية سلطوية إلى أبعد الحدود، لا تؤمن بالتفاعل مع الآخر حتى القريب منها، شخصية من هذا النوع لا تقبل اتباع فكر أو رأي شخص أو أشخاص آخرين، خاصةً إن كان أو كانوا عرباً.

تاريخ أردوغان مع الفكر الديني والعمل السياسي معروف بطابعه الانقلابي وعدم اتزانه واستقراره. بدأ حياته متحالفاً مع نجم الدين أربكان زعيم حزب الرفاه، أول حزب إسلامي سُمح له بالعمل في تركيا وشكل الحكومة في فترة ما بين 1996 و 1997، وكان القائد لحركة الإسلام السياسي في تركيا، وبعد ذلك، وبانتهازية فاضحة بدأ تحالفه مع فتح الله غولن الذي يعد زعيم الإسلام الاجتماعي الذي كرس عمله على تقديم الخدمات للمجتمع التركي الفقير، وتحديداً في مجالي التعليم، والطبابة وأسس مجتمعاً مرتبطاً به، وهي الرؤية والسلوك اللذان اتبعهما أردوغان في حياته السياسية التى مزج فيها السياسي بالاجتماعي، إلا أنه وبعدما صار رئيساً للوزراء قرر وبانتهازيته السياسية، الخلاص من فتح الله غولن وتحول "المعلم" وهو المصطلح الذي كان ينادي به أردوغان الداعية الإسلامي،  الذي تحول بقدرة قادر إلى "الارهابي فتح الله غولن".

مساحة هذا المقال لا تتسع لاستعراض تاريخ هذا الرجل الذي يحرص على قراءة القرآن بمناسبة وبغير مناسبة بلسان عربي، وفي قلبه كم كبير من الضغائن ضد العرب، والعروبة. يقرأ القران في الحفلات والمآتم والمناسبات الرسمية، وفي تقديرى أن حرصه على هذه العادة هو تعبير عن عقدته من العرب واللغة العربية، ويريد القول لنا نحن العرب: "أنتم لستم أفضل مني فأنا لدي لسان عربي".

قال تعالى في سورة يوسف "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" وقال تعالى في سورة الشعراء "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ" 
صدق الله العظيم