الأحد 29 ديسمبر 2019 / 13:43

تركيا... نحو عقد قاتم للغاية

عاد الكاتب السياسي ستيفن ستار بالذاكرة إلى سنة 2010 حين كانت الآفاق حول تركيا مختلفة عما هي عليه اليوم. في ذلك الوقت، رأى البعض تركيا كمثل عن الاستقرار الاقتصادي والداخلي بعدما تفادت الأزمة العالمية بطريقة أفضل من معظم الدول.

رغم مؤشرات إلى أن كتلة شعبية وازنة يمكن أن تكون قد سئمت من أساليب أردوغان، فإن المعركة من أجل مستقبل تركيا لم تبدأ بعد، والسنوات العشر المقبلة تبدو قاتمة للغاية

 وكتب ستار في صحيفة "ذي اراب ويكلي" اللندنية أن مسار سلام تركي مع المقاتلين الأكراد كان قد بدأ يتخذ شكلاً محدداً فيما تمتع المدنيون الأكراد بمستوى غير مسبوق من الحقوق مع رفع القيود عن إعلام ولغات الأقليات. وشمل ذلك إطلاق قناة كردية رسمية – تي آر تي سيس – سنة 2009.

حين بدا المستقبل إيجابياً

كذلك فُتحت ساحة تقسيم للمرة الأولى منذ عقود أمام تظاهرات العمال والنقابيين في عيد العمل شهر مايو (أيار) ووصفت منظمة العفو التعديلات الدستورية التي أعطت المزيد من الحقوق التفاوضية لموظفي القطاع العام بأنها تحول بارز في هذا المجال. منذ عقد، كانت أنقرة قد بدأت تتمتع بالروابط التي عملت جاهدة على تطويرها مع عدد من اللاعبين الإقليميين والدوليين. في 2009، وقعت تركيا على اتفاق لإقامة علاقات ديبلوماسية مع أرمينيا. بدا مستقبل البلاد حينها جيداً.

بحلول 2013، خدمت اسطنبول ومدن أخرى في تركيا كملاذ لآلاف السوريين الهاربين من القمع. في شوارع حي بايوغلو في اسطنبول، بكى السوريون الأكراد علناً حين سمعوا لأول مرة أغانيهم التقليدية التي كانت ممنوعة في ديارهم. وتجمع المثقفون السوريون في المقاهي وهم يتخيلون مستقبلاً ديموقراطياً لوطنهم.

أخطاء تراجيديّة
على المستوى الاقتصادي، أجرت تركيا تحولاً ضخماً مع بناء مشاريع بنى تحتية بقيمة مليارات الدولارات. كان شعار حزب العدالة والتنمية أن بناء منشآت جديدة للجماهير، كالقطارات، والمباني والجسور والطرق السريعة، ستجعل المقعد النيابي محسوماً. لكنّ النصف اللاحق من العقد سيشهد انزلاق تركيا نحو قبضة تسلطية يبدو أن لا مخرج منها.

يرى ستار أن تركيا ارتكبت أخطاء سياسية تراجيدية في سوريا من ضمنها السماح للثوار الذين تحولوا سنة 2015 إلى متطرفين بالسيطرة على المناطق الواقعة جنوب حدودها مما أدى إلى شن داعش لعدد من الهجمات في اسطنبول وأنقرة وغيرهما في تلك السنة. وعادت أنقرة إلى حرب استمرت عقوداً مع الانفصاليين الأكراد وقد أزهقت أرواح آلاف المدنيين في جنوب شرق البلاد. وأطلق الانقلاب الفاشل في يوليو (تموز) 2016 أوسع حملة قمع على حقوق الإنسان شهدها العالم في السنوات الأخيرة مع احتجاز مئات الآلاف من المعارضين المشتبه بهم ومن بينهم من لم يخضعوا للمحاكمة.

هل من يوقف الانهيار؟
يشهد الاقتصاد التركي تراجعاً اليوم. مع عدم وجود من يوقف أردوغان عن دفع البلاد باتجاه الانهيار وهو واقف داخل قصره في أنقرة الذي يحتوي على 1100 غرفة والذي كلف 615 مليون دولار، يظهر أن العزلة الدولية ستستمر.

بشكل لا يصدق، يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أقل من 9000 دولار أي أقل بحوالي 1000 دولار مما كان عليه الأمر سنة 2010 و 3500 دولار مما كان عليه سنة 2013، أي قبل سنة على وصول أردوغان إلى الرئاسة.

ويعني ذلك أنه على الرغم من انتشار إمكانية الحصول على الائتمان السهل، يبقى الأتراك اليوم أقل ارتياحاً بنسبة تزيد عن الربع بالمقارنة مع ما كانوا عليه قبل سنة على تسلم أردوغان رئاسة البلاد. وهذا اتهام واضح للرئيس والحكومة بالفشل. في الشارع، يشعر الناس بالإحباط، ويعود ذلك جزئياً إلى الخطابات المستمرة عن المؤامرة والتي تهيمن على وسائل الإعلام المختلفة. لكن السبب الأكبر لذلك هو لأنهم باتوا يملكون أموالاً أقل.

حجج ضعيفة
يرى عدد من المراقبين أن المشاكل التي تواجهها البلاد ذات أسباب خارجة عن نطاق سيطرة تركيا عليها كالحرب في سوريا وتداعيات اللجوء الناجمة عنها إضافة إلى ابتعاد المستثمرين عن الأسواق الناشئة. يرد ستار بأن هذه عوامل صغيرة.

وفي الواقع، غذى اللاجئون السوريون نمواً اقتصادياً بارزاً في جنوب شرق تركيا وفي أحياء اسطنبول الأفقر. لقد تدهور الاقتصاد بسبب تدخل أردوغان المستمر في سياسات البلاد النقدية التي أدت إلى خسارة الليرة معظم قيمتها مقابل أبرز العملات. ويذكر ستار أنه حين أتى إلى تركيا في مايو 2013 كان الدولار يساوي 2.2 ليرة تركية أما اليوم فأصبح يساوي 5.88 ولا تزال العملة المحلية تخسر قيمتها.

قاتمة للغاية
في 2010، كان حلفاء أردوغان البارزين مثل أحمد داود أوغلو وعبدالله غول ورؤيويين آخرين هم من حولوا السياسة التركية. اليوم ومع إصراره الشديد على الاحتفاظ بالسلطة، أصبح هؤلاء منافسيه بل أعداءه حتى. في هذه الأيام، يختبئ السوريون في اسطنبول خوفاً من أن يتم توطينهم في المناطق التركية الداخلية.

سنة 2017، كتب الأكاديمي هوارد إيسنستات أن أردوغان قدم حجة لتوسيع سلطته تقول إن مركزية إضافية في صنع القرار ستزيد الاستقرار. وأضاف الأكاديمي: "مع ذلك، إن خبرة السنوات العشر الماضية برهنت أن العكس هو الصحيح".

وذكر ستار أخيراً أنه على الرغم من وجود مؤشرات قد تشير إلى أن كتلة شعبية وازنة يمكن أن تكون قد سئمت من أساليب أردوغان، فإن المعركة من أجل مستقبل تركيا لم تبدأ بعد، والسنوات العشر المقبلة تبدو قاتمة للغاية.