جامع قرطبة (أرشيف)
جامع قرطبة (أرشيف)
الأحد 29 ديسمبر 2019 / 20:01

قرطبة...الربيع الدائم

إن من يزور قرطبة سوف يزور بلا شك جامع قرطبة الكبير. هكذا يسميه السائحون العرب. لكن اسمه الموسوم به رسمياً وشعبياً وعالمياً، هو مسجد الكاتدرائية أو كنيسة الجامع. إنه أحد آثار العالم الفريدة. إنه الشاهد الصادق على التحالف الألفي، والتآلف المزجي، والتمازج الخالد بين الفن والإيمان، وبين الناس والأديان.

إن كان العالم يتحدث عن التسامح، ويبحث عن رمز معبر عنه، فلا أجد أحق من هذا الصرح الذي تجاور فيه الإسلام والمسيحية في الاسم، فلا تدري أتسميه كنيسة الجامع أم مسجد الكاتدرائية!

روح هلنستية تجول في المكان تذكر باليونان. أصداء بيزنطية تتردد في غابة الأعمدة الرخامية تذكر بالإغريق. نقوش رومانية تذكر بعظمة روما القديمة. ثم كان التمازج والتآلف والتحالف الفني بين الهندسة المسيحية والمعمارية الإسلامية في الأعمدة، والأقواس، والقباب التي بقيت شاهدة على مرور القرون، وتعاقب الحضارات والدول.

إن كنيسة الجامع أثر مقدس مفتوح للعالم أجمع. الجو الروحاني الذي فيه يذكر بالنور المقدس. الأعمال الفنية التي تزينه تسرد قصة الخلافة وما بعدها وما قبلها، النقوش البارزة في الحجارة، والأخشاب تشي بمهارة الحرفيين الذين عملوا وقضوا حياتهم في تخليد المكان. الأقواس الأنيقة الموحدة شكلاً والثنائية الألوان أكثر من أن تحصى، لا يمكنك فعل ذلك بيسر، لكن يمكنك أن تفعله يمتعة وإعجاب.

بداية المكان كانت بازيليك. وهو البناء الراقي الذي يستخدم لغرض ديني أو مدني أو تجاري. وهو مرتبط بالكاثوليكية. كانت بازيليك سان فيثنتي معبداً مسيحياً تحول مع دخول المسلمين إلى مسجد بدأه عبدالرحمن الأول بأحد عشر عنبراً متعامداً مع سور القبلة. عبدالرحمن الثاني وسع العنابر وبنى مئذنة وصل ارتفاعها إلى أربعين متراً.

وتوسع الجامع أكثر في عهد المستنصر بالله، ثم تضاعف في عهد الحاجب المنصور تكريساً لسلطته.
اليونسكو لم تكتف في 1984 بأن تعلن هذا المكان تراثاً إنسانياً. لتعود في 2014 وتعلن أن هذا التراث ملك ذو قيمة عالمية غير عادية.

إن كان العالم يتحدث عن التسامح، ويبحث عن رمز معبر عنه، فلا أجد أحق من هذا الصرح الذي تجاور فيه الإسلام والمسيحية في الاسم، فلا تدري أتسميه كنيسة الجامع، أم مسجد الكاتدرائية! وتجاورا أيضاً في الشكل والبناء، فالمحراب والأعمدة، وعنابر الصلاة متداخلة بالمذبح، والمدفن والمصلى. ومن العجيب أن جيران المسجد من الناحية الشمالية حي اليهود. إنها قرطبة. إنها الربيع الدائم.