من ندوة "التسامح في الثقافة والآداب والتاريخ".(أرشيف)
من ندوة "التسامح في الثقافة والآداب والتاريخ".(أرشيف)
الخميس 2 يناير 2020 / 19:09

جائزة الشيخ زايد للكتاب ...التسامح في الثقافة والآداب والتاريخ

الإمارات كانت ولاتزال وطنًا يحتضن الثقافات ويمثل أنموذجًا ملهمًا لاحتضان التعدديات الثقافية

في عام 1992 كشفت التنقيبات الأثرية التي أجراها علماء الآثار في جزيرة صير بني ياس في أبوظبي عن موقع كنيسة ودير مسيحيّ يعود تاريخه إلى الفترة بين القرنين السابع والثامن الميلاديّ، ويُعتقد أنَّ هذه الكنيسة كانت جزءًا من شبكة الكنائس والأديرة التي انتشرت في أنحاء الخليج العربيّ. ويعد هذا الدير المسيحيّ وكنيسة جزيرة صير بني ياس من أهم المواقع الحضارية التي تمثل قيم التسامح والتعايش والسلام على أرض دولة الإمارات العربيّة المتحدة.

لقد اعتنى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بهذا الكشف الأثري المهم وأمر مباشرة برعايته وتهيئته والعناية به. إنَّ إرث التسامح هو إرث إماراتي عريق منذ أقدم العصور، وتُعد قيم التسامح والانفتاح الثقافيّ على الآخر والتعايش معه إرثًا تأسيسيًا للآباء المؤسِّسين؛ فقد تجلّى مفهوم التسامح في مجالس شيوخ آل نهيان الكرام وخاصة في قصر الحصن، وقلعة الجاهلي، والمويجعي.

لقد اتسم أهل الإمارات بالانفتاح وقبول الآخر منذ أقدم العصور؛ فقد كانت الإمارات فضاءً جاذبًا لعدد من الرحّالين الغربيين الذين وثَّقوا جوانب مهمة خاصة بالإمارات: قبائلها وحياتها السياسيّة والثقافيّة. ومن أبرز هؤلاء الرحّالين الغربيين صاموئيل مايلز المعتمد السياسي البريطاني في مسقط الذي زار واحة العين في العام 1875، والألماني هيرمان بوريخات الذي زار أبوظبي في عام 1904، والبريطاني ويلفريد ثيسجر الملقب ب(مبارك لندن) الذي زار الإمارات، والتقى بالشيخ زايد بن سلطان في العين عام 1948، وأمضى معه شهراً كاملاً في ضيافته، ورافقه في رحلات القنص.

انعقدت في العاصمة أبوظبي منذ أيام قلائل ندوة فكرية كبرى عقدتها جائزة الشيخ زايد للكتاب جاء عنوانها "التسامح في الثقافة والآداب والتاريخ". وقد انعقدت هذه الندوة برعاية كريمة من معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح بدولة الإمارات العربيّة المتحدة، وبحضور سعادة محمد بن خليفة المبارك رئيس دائرة أبوظبي للثقافة والسياحة وسعادة الدكتور علي بن تميم الأمين العام لجائزة الشيخ زايد للكتاب.

وتأتي هذه الندوة الفكرية المهمة في عام 2019 الذي أعلنته دولة الإمارات العربية المتحدة عاماً للتسامح لتعزيز مكانة الدولة بوصفها أنموذجاً عالمياً للتسامح والتآلف والاحترام وتقبّل الآخر، وبيئة حاضنة لمختلف ثقافات العالم.

وتتجلى محاور عام التسامح من خلال خمسة محاور رئيسية هي: تعميق قيم التسامح والانفتاح على الثقافات والشعوب في المجتمع من خلال التركيز على هذه القيم لدى الأجيال الجديدة، وترسيخ مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة عاصمة عالمية للتسامح من خلال مجموعة من المبادرات والمشاريع الكبرى منها المساهمات البحثية والدراسات الاجتماعية المتخصصة في حوار الحضارات، والتسامح الثقافي من خلال مجموعة من المبادرات المجتمعية والثقافية المختلفة، وطرح تشريعات وسياسات بهدف تعزيز قيم التسامح الثقافي والديني والاجتماعي، وتعزيز خطاب التسامح وتقبّل الآخر من خلال مبادرات إعلامية هادفة.

لقد جاءت ندوة "التسامح في الثقافة والآداب والتاريخ" لترسِّخ إيمان جائزة الشيخ زايد للكتاب بثقافة التسامح وبالحوار بين الحضارات ونبذ التعصب، ولاسيّما وأنَّ هناك فرعًا للجائزة عن الثقافة العربيّة في اللغات الأخرى.

لقد تأسَّست هذه الجائزة العالميّة في عام 2006 تقديرًا لمكانة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه،  ودوره الرائد في التوحيد، والتنمية، وبناء الدولة والإنسان. وهي جائزة مستقلة تُمنح كلَّ سنة للمبدعين من المفكرين والناشرين والشباب عن مساهماتهم في مجالات التأليف والترجمة في العلوم الإنسانية التي لها أثر واضح في إثراء الحياة الثقافية والأدبية والاجتماعية وفق معايير علمية وموضوعية.

جاءت محاور ندوة (التسامح في الثقافة والآداب والتاريخ) كالآتي: التسامح: المصطلح والمفهوم والتطوّر، والتسامح في فكر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وفكر غاندي، وقيم التسامح في الشعر. لقد نجحت هذه الندوة الفكرية المهمة في أن تلفت الانتباه إلى التسامح الثقافيّ من خلال دراسته بمقاربات معرفية متعددة، ونجحت كذلك في إحداث مقاربة شاملة للتسامح الثقافيّ من خلال بيان دور دولة الإمارات العربية المتحدة بوصفها أنموذجًا ثقافيًا عالميًا ممثِّلاً لقيم التعايش الثقافي والانفتاح الحضاريّ وقبول الآخر. الإمارات كانت ولاتزال وطنًا يحتضن الثقافات ويمثل أنموذجاً ملهماً لاحتضان التعدديات الثقافية.