إيراني يرفع صورة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني (أرشيف)
إيراني يرفع صورة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني (أرشيف)
الإثنين 6 يناير 2020 / 17:34

اغتيال سليماني قد يبدل المشهد الداخلي في إيران

يشكل مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بضربة أمريكية، فرصة للجمهورية الإسلامية والمحافظين في البلاد، للاستفادة من المشهد على الصعيد الداخلي، وذلك بعد شهرين من تظاهرات قمعتها السلطات بعنف تخللتها انتقادات للسياسة الخارجية.

وأثار اغتيال مهندس العمليات الإيرانية في الخارج في بغداد بطائرة أمريكية فجر الجمعة الماضي، موجة من التأثر في البلاد لن تتوانى السلطات في إيران عن استغلالها.

وبالنسبة للدبلوماسي السابق والمحلل الأمريكي آرون ميلر، فإن قتل سليماني الذي يساوي أمريكياً رئيس وكالة الاستخبارات المركزية سي آي إيه، ومدير قيادة العمليات الخاصة مجتمعين، يعني أن الولايات المتحدة قضت على ثاني أقوى شخصية في إيران.

ويتيح مقتل سليماني الذي وصفه المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي بـ"الشهيد الحي"، لطهران أن تستثمر اسمه، لكن السفير الفرنسي السابق في طهران فرنسوا نيكولو يرى، أن "هناك فرصة أمام السلطات في إيران لتحويل الضربات الأمريكية عن مسارها ليس لوقت طويل، لكن مشاعر التأثر الشعبي ستبقى"، مضيفاً أن "سليماني كان يمثل الصورة الجميلة للجندي في الخيال الإيراني".

ويعتبر العديد من الإيرانيين سليماني بطلاً يعتمدون عليه لتجنيب إيران الوضع الذي عانى منه العراق وسوريا أو أفغانستان، وفي أكتوبر(تشرين الأول) الماضي، أكد استطلاع للمعهد الأمريكي للدراسات الدولية والأمنية في ميريلاند أن الجنرال سليماني كان بالفعل من أكثر الشخصيات السياسية المحبوبة في إيران، إذ حصل على تأييد 8 أشخاص من كل 10 إيرانيين شملهم الاستطلاع.

وقد يدفع مقتل الجنرال سليماني طهران أيضاً إلى التقوقع على ذاتها في وضع دفاعي، ورأى مسؤول الشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية علي فايز في تغريدة على تويتر "من شبه المضمون أن يصبح البرلمان الإيراني بيد العناصر الأكثر تشدداً في إيران بعد الانتخابات التشريعية في فبراير(شباط) المقبل، وكل ذلك على خلفية توتر شعبي شديد".

وشملت تظاهرات اندلعت في 15 نوفمبر(تشرين الثاني) 2019، بعد إعلان زيادة كبيرة في أسعار البنزين في ظل أزمة اقتصادية خانقة، مئات المدن الإيرانية، وبعد أيام أعلنت السلطات نجاحها في إعادة الهدوء إلى البلاد، لكن دون أن تورد حصيلة الضحايا، بينما أشارت منظمة العفو الدولية إلى مقتل 300 شخص، وتوقيف الآلاف.

وتحت ضغط العقوبات الإيرانية، تدهورت العملة المحلية الريال، وارتفع التضخم، وحسب التقديرات الأخيرة لصندوق النقد الدولي، انخفض الناتج المحلي الإجمالي في إيران في 2019 بـ 9.5%، وقدم الرئيس الإيراني حسن روحاني في ديسمبر(كانون الأول) الماضي ميزانية التصدي للعقوبات الأمريكية.

وتعتبر المحللة أريان طبطبائي من معهد "راند" الأمريكي للأبحاث، أن "الشكاوى الشعبية التي قادت إلى التظاهرات لا تزال قائمة، ويمكن للنظام أن يستغل موت الجنرال ليواصل قمع المعارضة، بحجة أن المعارضين ينفذون الأجندة الأمريكية".

وترى المحللة أنه رغم كل شيء كانت لسليماني صورتان متناقضتان، صورة البطل المدافع عن البلاد السائدة في أوساط الشباب المؤيد للنظام، وصورة أحد كوادر المنظمة المسؤولة عن القمع، وارتكاب انتهاكات في نظر آخرين.

وفي تظاهرات 2017 و2018، وتظاهرات ديسمبر(كانون الأول) الماضي، ندد البعض بالثمن الداخلي الذي يدفع في إيران مقابل الطموحات الإقليمية للنظام التي جسدها سليماني أكثر من غيره، ويلفت آرون ميلر إلى أن "ملايين الإيرانيين يريدون المزيد من الروابط مع العالم الخارجي، والمزيد من الازدهار الاقتصادي، والمزيد من الحرية".

ولكن المتشددين في النظام الإيراني رفضوا حتى الآن الإصغاء لتلك التطلعات، إلا أن اغتيال سليماني يضعف هذا الخط سياسياً على الأقل، لأن طهران لم تتوقع ما حدث، فقبل يومين من اغتيال سليماني، هاجم متظاهرون عراقيون مؤيدون لإيران سفارة الولايات المتحدة في بغداد، منددين بضربات جوية أمريكية ضد كتائب حزب الله العراقي، الفصيل في الحشد الشعبي الموالي لإيران، أسفرت عن مقتل 25 شخصاً.

وكتب يومها المرشد الأعلى علي خامنئي على تويتر "لا يمكنكم أن تفعلوا شيئاً"، في إشارة إلى عجز الأمريكيين أمام إيران، ويعتبر فرنسوا نيكولو، أن "هذا الكلام يعكس سوء تقدير الجانب الإيراني، لأن الولايات المتحدة وجدت طريقة للرد"، ويحذر الخبراء من تكرار السلطات الإيرانية الهفوة نفسها.

ويرى المحلل أليكس فانتا من معهد الشرق الأوسط في واشنطن، أنه "إذا كان على إيران الاختيار بين إنقاذ النظام في طهران، وتوسيع نفوذها في المنطقة، فستختار الأول"، ويضيف أن "موت سليماني لا يدمر قدرة إيران على التوسع، لكن على النظام الإيراني، عند دراسته كيفية الرد على واشنطن، أن يقدّر العواقب كافة".