المفكر الأردني غالب هلسا.(أرشيف)
المفكر الأردني غالب هلسا.(أرشيف)
الثلاثاء 7 يناير 2020 / 18:15

الغائب عن حضور هلسا

عاش غالب هلسا إثر مغادرته الأردن في سن مبكرة لبنانياً ومصرياً وعراقياً وتوفي فلسطينياً قبيل انقضاء عقد الثمانينات

رغم فرادة مساهمته في وعي فلسطيني مختلف وسبره لأغوار لم يكن استيعابها ممكناً للطيف الأوسع من مجايليه الفلسطينيين غاب دور المفكر الأردني غالب هلسا في توفير أدوات تفكيك وتحليل الحالة الفلسطينية عن الاحتفاء بذكرى وفاته الثلاثين.

في اشتباكه مع التفاصيل اليومية لثمانينيات القرن الفائت استطاع هلسا المسكون بنقد الظواهر وجرأة الذهاب إلى ما وراء المسلمات تجاوز القوالب الجاهزة في تنظيرات ذلك الزمن مما أتاح له النفاد إلى عمق الأزمات التي أوصلت العمل الفلسطيني إلى ما انتهى إليه.

لم يكتف بالتعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية كبنية أو منظومة علاقات بينية أو صفة تمثيلية للشعب الفلسطيني واستطاع بعد حفر دؤوب في أساساتها ومعاينة مساراتها وإدارتها لعلاقاتها، الوصول إلى حقيقة تحولها لوطن عائم ضاعت بوصلته وانتهى إلى التأرجح بين أمواج عاتية في بحر من الظلمات.

وفرت سجالاته مع اليسار الفلسطيني أرضية معرفية للكشف عن أمراض مستعصية ظهرت أحياناً من خلال معايناته لاختلال الرؤى وانعدام الأفق وطفت على السطح في تشريحه لسلوك انتهازي يقدم مصلحة الفصيل على أهدافه وفي رصده لمظاهر التحول من حركات شعبية مفترضة إلى بعض واجهة تشكيل اقرب للنظام الرسمي.

قاده اكتشافه سطحية النظرة للمخيم الفلسطيني وعدم جدية استيعاب حضوره في التحولات السياسية إلى بحث أفضى لتقديم أفكار اولية لفهم حياة التجمعات السكانية التي أفرزتها النكبة، وقد تكون هذه الأفكار مقدمات لتفسير المآلات التي انتهت إليها المخيمات الفلسطينية في سوريا ولبنان بعد ثورات ما يعرف بالربيع العربي.

التقط هلسا أهمية الذاكرة الفلسطينية قبل عقود من ظهور حمى "التاريخ الشفهي" بين فلسطينيي المخيمات وتحويله إلى موضة "استشراقية" يسيل لها لعاب الباحثين عن أسباب استعصاء فلسطيني المخيم على الاندماج وتستهوي منظمات التمويل الأجنبي.

صاغ رؤيته للهوية الفلسطينية من موقعه المتمرد على الهويات الضيقة مما جنبه التعامل معها باعتبارها "كتلة صماء" أو "كائناً هلامياً" وأتاح له معاينة هادئة لظروف وآليات تشكلها ومن ثم توظيفاتها التي لا تتوافق بالضرورة مع القضية الفلسطينية وبعديها العربي والأممي.

ولغالب دراسة معمقة عن مثقف منظمة التحرير الفلسطينية اتاحت معرفة اعمق لاداء واليات تفكير وتحولات ادوار نمط من المثقفين الفلسطينيين استنادا إلى بناهم الثقافية والاجتماعية والبيئات التي جاءوا منها.

عاش غالب هلسا إثر مغادرته الأردن في سن مبكرة لبنانياً ومصرياً وعراقياً وتوفي فلسطينياً قبيل انقضاء عقد الثمانينات وامتلك الأدوات التحليلية والمعرفية اللازمة للتعامل مع تعقيدات وتحولات زمنه وانتماء حقيقياً لقضايا الشعوب وفكرة التغيير مما حول نتاجاته الفلسطينية إلى نبوءات يستطيع المهتم بمسار الحدث الفلسطيني العودة إليها للوصول إلى تصورات تساهم في تجاوز لبس نهايات وصفها بالحزينة.