حشود في جنازة قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني (أرشيف)
حشود في جنازة قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني (أرشيف)
الأربعاء 15 يناير 2020 / 20:23

النمر الورقي

عمل الإعلام الغربي بعد مقتل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، على تضخيم رد الفعل المُنتظر من إيران. كانت حشود جنازة قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، هي المادة الأولى لـ سي إن إن، والغارديان، وبي بي سي.. إلخ، هذه الحشود المتطرفة إسلامياً، أفضل لإيران والغرب، من حشود المظاهرات التي تخرج للقمة العيش، والإصلاحات الاقتصادية.

وكلاء إيران من الخسة، بحيث يكون انتقامهم الأسهل، هو استهداف المدنيين

قطع الطريق على مُظاهرات الفقر، بحدث سياسي ساخن، فيه منفعة للغرب، وأمريكا، وإيران على حد سواء. لكن هذا لا يعني أن إهانة نظام الملالي، وتقليم أظافره، بقتل رجله الأول في عملية استخباراتية، ربما بمساعدة أطراف موالية لإيران، وعبر منظومة التكنولوجيا، من كاميرات، وأقمار صناعية، وطائرات دون طيار، لم تكن مقصودة.

من حين لآخر تُذكر أمريكا العالَم، أن النمر الإيراني، هو نمر ورقي في حقيقته. الذكرى نفسها تنفع نظام الملالي، حتى لا ينسى حجمه، فهناك صورة فوتوغرافية شهيرة، للخميني في 1979، وهو يهبط إلى إيران، عائداً من فرنسا، منفاه المؤقت، المرفه إلى حد التخمة، فقد كان جاراً للكاتبة الفرنسية مارغريت دوراس، على متن طائرة الخطوط الجوية الفرنسية "أير فرانس"، لتولي الحكم.

حاول النمر الورقي الإيراني إثبات قوته، وكانت النتيجة كارثية. صورايخ إيرانية تنطلق لضرب قاعدتين أمريكيتين في العراق، أكثرها يقع قبل إصابة الهدف.

الصواريخ الإيرانية صديقة، لا تصيب الجنود الأمريكيين، وهي شبيهة بالصواريخ التي تطلقها حماس على إسرائيل، دون إصابة أحد. أعلنتْ إيران أنها قتلت 80 جندياً أمريكياً، وجرحت 200 آخرين. توالت الأيام، ولم يظهر أثر لمقتل جندي أمريكي واحد في القاعدتين الأمريكيتين.

عواصف السخرية على وسائل التواصل الاجتماعي من القوة الحربية الإيرانية. تصريحات الحرس الثوري الإيراني تحت وطأة السخرية، تراجعت، وقالت إن الهدف من الضربات الإيرانية، كان ينحصر في تحطيم الآلة العسكرية الأمريكية. أي أن قتل الجنود الأمريكيين لم يكن هدفاً للضربة الإيرانية.

تصريح من محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، يُلمح إلى أن الضربة الإيرانية كانت أمريكا على علم بها قبل حدوثها. ظريف قال إن بلاده وجهت رسالةً لأمريكا عبر سويسرا، فور تنفيذ الهجوم الصاروخي على القاعدتين الأمريكيتين.

سخرية خفيفة الظل على فيس بوك، وضعت بدل "فور تنفيذ"، "قبل تنفيذ".

وفي حمى الانتقام الزائف، ضربت إيران طائرة أوكرانية مدنية، أقلعت من مطار الخميني في طهران، وعلى متنها 167 راكباً، وطاقم من تسعة أفراد.

الطائرة ضُربت عن طريق الخطأ بعد دقائق من إقلاعها. أنكرت إيران مسؤوليتها عن الحادث الأليم الذي لم ينج منه أحد، طوال 72 ساعة.

أعلنت إيران بعد انتشار معلومات دولية، أنها هي التي أسقطت الطائرة الأوكرانية، عن اعتذارها، وجاءت مبررات الخطأ من نوع، اعتقدنا أنها كانت صاروخاً أمريكياً معادياً، أو قاذفة أمريكية، وكأن التقنيين المحترفين القائمين على المجال الجوي الإيراني، يرصدون السماء، بالعين المجردة.

غرد أحد الساخرين على تويتر، بأنه ربما بعد سنوات من عناء المداولات الماراثونية الغربية مع إيران بخصوص الاتفاق النووي، يكتشف العالَم فجأةً، أن العلماء الإيرانيين في الفيزياء النووية، كانوا يخصبون بالخطأ الألمينيوم بدل اليورانيوم.

اعتاد النمر الورقي الإيراني على خداع شعبه، بحجم قوته، عبر خطاب كاذب، يخلط فيه دائماً الدين بالسياسة، إلا أن هذه المرة بدت إيران شديدة الضعف، فاشلة حربياً، عندما تعلق الأمر برد مباشر، ورسمي من دولة على دولة أخرى، وليس عن طريق وكلاء إيران، أو ميليشياتها التابعة، مثل حزب الله، أو الحشد الشعبي، أو عصائب أهل الحق، أو حتى حماس.

غرد ساخر آخر على تويتر، وقال إن الانتقام الإيراني الأول والرسمي، قتل 82 إيرانياً، "ربنا يستر من باقي انتقامات الوكلاء، بالطريقة دي الشعب الإيراني ها يخلص".

وكلاء إيران من الخسة، بحيث يكون انتقامهم الأسهل، هو استهداف المدنيين، لكن إهانة مقتل قاسم سليماني، تؤثر أيضاً على الأداء الانتقامي للوكلاء، لأنهم معرضون لاصطياد دقيق من الطائرات الأمريكية دون طيار، فهم نهمون للحياة، والمال، والسلطة، وعرضة للخوف أكثر من الإرهابيين المتأسلمين المجهولين.

على سبيل المثال، حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، لم يعلق على قول زينب سليماني، ابنة قاسم سليماني، إن حسن نصر الله، هو الذي سيأخذ ثأر والدها، بالطبع حسن نصر توعد أمريكا بالويل والثبور، بعد مقتل قاسم سليماني مباشرةً، لكن نبرته هدأت كثيراً بعد صدمة اغتيال سليماني، واتسعت كلماته سريعاً، لتشمل العالَم الإسلامي كله.

كأن حسن نصر الله، يرد على زينب سليماني، بأن من سيأخذ ثأر والدها، هو العالَم الإسلامي كله.

قال نصر الله حرفياً: "سليماني لم يكن لإيران فقط، بل لكل العالَم الإسلامي، ولكل مقاومة، أو احتلال". كان أفضل لزينب سليماني، أن يؤكد حسن نصر الله، ببساطة دعوتها، ويُعلن أنه هو بالفعل الذي سيثأر لوالدها.