فاتو بنسودا المدعية العامة لدى المحكمة الجنائية الدولية (أرشيف)
فاتو بنسودا المدعية العامة لدى المحكمة الجنائية الدولية (أرشيف)
الخميس 16 يناير 2020 / 20:09

موهبة الجلوس تحت الشجرة

لو استثنينا الترحيب وصيغ المديح واليقين الغريب التي يتحدث به الناطقون باسم السلطة الفلسطينية، يمكن أن نضيف إلى احتفال الإشادة بيان جامعة الدول العربية، حول إعلان فاتو بنسودا، المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية، عن فتح التحقيقات في جرائم الحرب الاسرائيلية، فلن نجد أنشطة أخرى تذكر على مستوى متابعة الملف.

خارج العمل الإجرائي يشكل قرار المدعية العامة وطريقة استقباله دولياً، إشارة واضحة إلى تغير المزاج الدولي اتجاه الجرائم التي يرتكبها الاحتلال في فلسطين، وهو أمر يمكن استثماره والبناء عليه

بنسودا، أعلنت أنها ستفتح تحقيقاً شاملاً في احتمال ارتكاب اسرائيل جرائم حرب في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وذلك في ثلاثة ملفات رئيسية، الاستيطان، ومسيرات العودة، والأسرى، وهو الاعلان الذي جاء بعد أربع سنوات من بدء الدراسات الأولية للملف، وهي فترة طويلة نسبياً، ساهمت في طولها وبطء سيرها، سلسلة الضغوط ومحاولات التعطيل التي مارستها، دون توقف، الدوائر الداعمة لإسرائيل.

تضمن إعلان المدعية العامة الطلب من الدائرة التمهيدية، التأكد من ولاية المحكمة على الأراضي الفلسطينية التي سيشملها التحقيق وذلك في فترة أقصاها 120 يوماً من تاريخ التكليف، وهو موضوع يبدو إجرائياً في الظاهر، إذ إن فلسطين التي حصلت على العضوية بصفتها عضواً مراقباً في الأمم المتحدة، دخلت في عضوية 87 منظمة واتفاقية دولية خلال العقد الأخير، بما في ذلك نظام روما الأساسي في يناير (كانون الثاني) 2015، ما يؤهلها لهذه الولاية.

في إسرائيل شكل إعلان بنسودا صدمةً شملت الخارطة السياسية التي تواجه عقدة انتخابات مستعصية، وانعكست عبر تصريحات مختلف ممثلي الأحزاب الصهيونية، وشكلت بدورها حملة مضادة، اتسمت بالشراسة، وتداخلت مع الحملات الانتخابية بدأت، كالعادة، عبر اتهام المحكمة بمعاداة السامية، والبحث في التاريخ الشخصي، والمهني لـفاتو بنسودا، وتواصلت من خلال حملة ديبلوماسية على المحكمة يقودها وزير خارجية أمريكا، بومبيو، الذي أعلن "أن الفلسطينيين غير مؤهلين كدولة للمشاركة في المنظمات الدولية"، وتضمنت الحملة، حسب المصادر الإسرائيلية، حملة سياسية وديبلوماسية لبناء جبهة ضاغطة من الدول الداعمة لإسرائيل، لتجنب الشروع في التحقيقات، وتضيف هذه المصادر أنها تلقت إشارات إيجابية من عدد من الحكومات منها كندا، وأستراليا، والمجر، وألمانيا، إضافةً إلى الولايات المتحدة.

في المقابل، لا يبدو أن هناك حركة حقيقية في المعسكر الفلسطيني والعربي لدعم توجه المحكمة، الذي سيعني، في حالة إقراره، مطاردة دولية حقيقية لمجرمي الحرب الإسرائيليين، من الجنرالات، والضباط، ورؤساء الأركان، والمستوطنين، والجمعيات الاستيطانية، ومطلقي النار على المسيرات، وأصحاب القرار في البناء الاستيطاني في الضفة، والقدس، ومنفذي هذه القرارات، وسيشكل نقلة نوعية في الصراع مع الاحتلال، ومساحة جديدة لمواجهته.

خارج العمل الإجرائي يُشكل قرار المدعية العامة، وطريقة استقباله دولياً، إشارة واضحة إلى تغير المزاج الدولي تجاه الجرائم التي يرتكبها الاحتلال في فلسطين، وهو أمر يمكن استثماره والبناء عليه وتطويره في سياق التنسيق مع حملات شعبية أثبتت فعاليتها مثل حركة المقاطعة.

لا تسير الأمور هكذا، لا يكفي توفر النية في إقرار ملف على هذه الدرجة من الأهمية والحساسية، ولن تؤدي سعادة المسؤولين الفلسطينيين وحبورهم الواضح، وهو ما ينطبق على إشادة جامعة الدول العربية، إلى أي نتائج على الأرض فيما لو تم الاكتفاء بذلك، وتواصل التعامل مع الأمر كما لو أن الحديث يجري عن انتصار منجز، ومتابعة موهبة الجلوس تحت الشجرة في انتظار تساقط الثمار التي أنضجتها الطبيعة، وحُسن الحظ.