السبت 18 يناير 2020 / 20:49

شبح الحرب لم يغب

خالد الغنامي

برغم أن الرئيس ترامب والزعيم الإيراني علي خامنئي لا يرغبان في الحرب، لكن يبقى الاحتمال في أن التصورات الخاطئة وسوء التقدير قد تؤديان إلى نشوب حرب

ازدياد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران بعد تصفية قاسم سليماني يسير باتجاه انهيار حتمي للصفقة النووية. من الواضح أن الوساطة الأوروبية قد فشلت، خصوصاً أن تلك الدول لم تستطع أن تثني الشركات الأوروبية الكبرى من مغادرة إيران، تجلّى هذا بشكل واضح في اتهام وزير الخارجية جواد ظريف، سجله في تغريدة له على تويتر، بأنها تخلت عن الاتفاق النووي. الحديث هنا عن ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، الدول الأوروبية الأطراف في الاتفاق النووي، بالإضافة لأمريكا وإيران وروسيا والصين.

الأوروبيون تخلوا فعلا عن الاتفاقية، لعدة أسباب، أولها: التهديد الذي أطلقه الرئيس ترامب مؤخرا، بأنه سيفرض رسوم ضريبية على المنتجات الأوروبية. ثانيها: التهديد الثاني الذي أطلقه الرئيس ترامب حين حذر تلك الدول من تفعيلهن لآلية فض النزاع المدرجة ضمن الاتفاق، "آلية فض النزاع" هي إحدى الإجراءات التي يمكن لأحد أطراف الاتفاق النووي اللجوء إليها لمعالجة مشكلة تخلّف الطرف الآخر عن التزاماته. لكن الرئيس ترامب هدد بفرض رسوم ضريبية بنسبة 25 بالمئة على السيارات المستوردة من أوروبا، إن هي لجأت له. ثالثاً : في العالم الحر لا يمكنك أن تجبر الشركات على العمل في دولة تنظر إليها العقول الاقتصادية الكبيرة التي تدير تلك الشركات، على أنها سفينة غارقة هربت منها الجرذان.
 إدارة الرئيس ترامب قد فرضت بالفعل عقوبات على أكثر من 970 من الكيانات والأفراد الإيرانيين وهذا الرقم في ازدياد مستمر، وسيعاقَب عقوبات شديدة من يتعامل معهم، فمع مَن ستتعامل هذه الشركات وهي مرتاحة البال؟! لهذا من غير المتوقع إلى حد كبير أن ينجح أحد في إقناع الشركات الأوروبية بعدم الامتثال للعقوبات الأمريكية، وبالتالي سيكون هذا الاتفاق ميتاً خلال أشهر قليلة.

من جهة أخرى، قامت سيغال ماندلكر (وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب ومديرة الحرب المالية على إيران) بفتح النار على حزب الله حيث اتهمته باستخدام عناصره في البرلمان اللبناني للتلاعب بالمؤسسات لدعم المصالح المالية والأمنية للجماعة الإرهابية ، وتعزيز الأنشطة الإرهابية، وأنه يهدد الاستقرار الاقتصادي والأمن في لبنان والمنطقة ككل، وأن كل ذلك على حساب الشعب اللبناني، وقالت إن الولايات المتحدة ستستمر في دعم جهود الحكومة اللبنانية لحماية مؤسساتها من "الاستغلال" من قبل إيران وعملائها الإرهابيين ، وتأمين مستقبل أكثر سلاما ورخاء للبنان.

هناك بالفعل إجراءات أمريكية جديدة تكشف كيفية استخدام حزب الله سلطته السياسية لإفساد واستغلال العناصر المالية والأمنية في لبنان، مع الاستفادة من النظام والقيم الديمقراطية في لبنان. من بنود هذه الإجراءات الجديدة وتسمياتها، أنه لا يوجد فرق بين الأنشطة السياسية والعنيفة لحزب الله، وأن حزب الله نفسه لا يميّز بين جناحيه العسكري والسياسي. كل هذا يدعو للتفاؤل، لكنه أيضاً يدعو للحذر، فمن وجهة نظر الرئيس ترامب، الضغوط الأمريكية المتصاعدة ستجبر إيران على التفاوض على ما أسماه "صفقة أفضل" لتحل محل (خطة العمل المشتركة الشاملة) الاسم الرسمي للاتفاقية النووية، لكن لا يوجد ما يشير إلى أن إيران ستفعل ذلك، فهل يعني هذا أن الطرفين يسيران على طريق الحرب الشاملة؟

فيما يصف كبار المسؤولين الأمريكيين عمليات الانتشار العسكرية الأمريكية الأخيرة على أنها تهدف إلى ردع النزاع بدلاً من إثارته، وبرغم أن الرئيس ترامب والزعيم الإيراني علي خامنئي لا يرغبان في الحرب، لكن يبقى الاحتمال في أن التصورات الخاطئة وسوء التقدير قد تؤديان إلى نشوب حرب في الخليج. منذ أيام كتب بعض المحللين السياسيين الغربيين أن إيران بعد التعافي من تداعيات كارثة الطائرات الأوكرانية، ستعود من جديد إلى خطتها للهجوم على القواعد الأمريكية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بدءاً من العراق. هذا التحليل بناه كاتبه على التهديدات المتزامنة القادمة من قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في بيروت.

الواقع أن هذا غير بعيد، فإيران ضاعفت دعمها المالي العسكري لحزب الله على حساب دعمها المالي الاجتماعي لحزب الله وأوصلته إلى 700 مليون دولار في السنة، بحسب تقدير الخزانة الأمريكية، ولم تتوقف عن ضخ كميات كبيرة من الصواريخ وغيرها من أنظمة الأسلحة، مثل قذائف الهاون الثقيلة ومعدات حرب العصابات للميليشيات العراقية الخاضعة لسيطرتها.

التحدي القادم، هو كيف يمكن إيقاف الدعم المالي الذي ترسله إيران إلى أتباعها في لبنان والعراق وسوريا واليمن؟ فهي لا تتعامل مع البنوك التي يمكن إيقاف حساباتها، وإنما ترسل تلك الأموال نقداً، وفي حوادث مسجلة، قامت بطبع الدولارات المزورة وأرسلتها لأولئك الأتباع.