الأحد 19 يناير 2020 / 11:56

قناة بحرية في اسطنبول قد تحدّد شكل الرئاسيات المقبلة

في سعيه لبناء قناة جديدة بين بحري مرمرة والأسود، لتخفيف حركة الملاحة في مضيق البوسفور، يواجه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، معارضة شديدة من عمدة إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، المتوقع أن يكون منافساً قوياً له في انتخابات الرئاسة المقبلة.

إذا استطاع إمام أوغلو كسب الجماهير التركية إلى جانبه في مشروع القناة، فقد يوجه ضربة قاتلة إلى أردوغان في فترة ما قبل انتخابات الرئاسة لعام 2023

وأشار جان سلجوقي، مدير مركز اقتصاديات إسطنبول للأبحاث، في موقع "فورين بوليسي"، لاحتمال أن يتحول النقاش حول مشروع البنية التحتية لقناة إسطنبول، إلى قضية وجود بين أردوغان وإمام أوغلو. ففي عالم السياسات التركية للحجج العاطفية تأثيرها بقدر القضايا العقلانية. وفي الوقت الحالي، يمتلك إمام أوغلو جميع الحجج العاطفية. ويقول شعاره في معارضة المشروع" إما القناة وإما إسطنبول". وإذا خسر أردوغان القضية، فقد يكون ثمن هذه الخسارة كبير جداً.

مشروع جنوني
وقدم أردوغان، في 2011، ما يبدو أنه مشروع جنوني لحفر قناة تصل البحر الأسود ببحر مرمرة، في موقع آخر. ومن المعروف أن مضيق البوسفور الذي يقسم اسطنبول إلى قسمين آسيوي وأوروبي، يصل فعلياً بين البحرين، وتنظم اتفاقية مونترو عبور السفن للمضيق.

ويتوقع أن تؤدي قناة جديدة غرب المدينة لتخفيف حركة المرور عبر البوسفور، وتقليل مخاطر ناجمة عن تلك الحركة.

وزعم جاهد طورهان، وزير النقل التركي، بأن الإيرادات الأولية من عبور السفن للقناة ستصل إلى مليار دولار سنوياً.

ولكن، وفقاً للكاتب، يصعب تبرير صحة هذا الرقم خاصة لأنه ما زال من غير المعروف أسباب تفضيل سفن تلك القناة على مضيق البوسفور. وتدعي الحكومة بأن القناة سوف تحد من فترات الانتظار، ولذا سوف تفضل شركات الشحن دفع قيمة تلك الخدمة.

انبهار
ويلفت كاتب المقال لانبهار أردوغان بالمشاريع العملاقة. فقد بنى جسراً ثالثاً على البوسفور، ومطاراً ثالثاً هو الأكبر في إسطنبول، وعدداً آخر من مشاريع البنية التحتية الضخمة. وقد ساعدت تلك المشاريع في فوزه في انتخابات سابقة، ولكن يبدو أنه يطرح اليوم، وفي أسوأ الأوقات، مشروعاً مكلفاً دون هدف مفيد. وفي حالة اقتصاد هش مع معدل بطالة وصل إلى 14%، وزيادة الضرائب، سيتوجب على أردوغان إقناع رأي عام تركي يزداد وعيه البيئي، بضرورة تخصيص موارد لهذا المشروع.

إلى ذلك، يشير تقييم الأثر البيئي لمشروع هذه القناة لتضرر ما يقارب 200,878 شجرة. وحسب خبراء جيولوجيين، سوف يستخدم، خلال مدة بناء المشروع المتوقع أن تصل إلى سبع سنوات، معدل وسطي يبلغ 360 من المتفجرات سنوياً، وما يقارب من 4,000 طن من وقود نترات الأمونيوم. وهذا أمر يصعب الترويج له، لأن إمام أوغلو يعارض المشروع بشدة.

جدل
وتجدد الجدل بشأن مشروع القناة عندما صرح طورهان، في 28 نوفمبر(تشرين الثاني) بأن منح العقود بشأن بناء القناة سيبدأ على الفور. ويشمل المشروع المتوقع اكتماله في أقل من عشر سنوات، مستوطنات علي طول ضفتي القناة، والتي سوف تشكل مدينة جديدة لقرابة 500 ألف شخص (تقول المعارضة التركية إن حوالي مليوني شخص سوف ينتقلون إلى المنطقة). ويتوقع إنشاء جزر صناعية من التربة المستخرجة عند حفر القناة. ووفق طورهان، تقدر ميزانية المشروع بـ 15 مليار دولار.

ويرى كاتب المقال أن مشروعاً بهذا الحجم ستكون له آثار طويلة الأمد ونهائية على البيئة والاقتصاد – ناهيك عن تداعياتها من وجهة النظر العسكرية. وبعد كل ذلك، ما إن تحفر القناة، سيصبح الجزء القديم من مدينة إسطنبول بمثابة جزيرة فعلية، ما يجعل المدينة غير محمية. وفي حال تعرضت المدينة لتهديد عسكري، سوف ترسل قوات نحو الجزيرة إما بواسطة جسور تبنى فوق القناة، أو عبر مضيق البوسفور.

فرضيات واهية
ولكن حسب الكاتب، لا يتعلق الجدل في شأن مشروع القناة بالناحية التقنية، بل يركز على العائد المادي الذي سيتحقق عند مرور السفن بالقناة. ورغم ذلك، ليس من الواضح بعد ما يجعل سفناً تدفع مقابل عبور القناة الجديدة فيما يحق لها استخدام مضيق البوسفور مجاناً، على مسافة 40 كيلومتراً شرقاً. ولذا تعد تلك فرضيات واهية، وكشفت دراسة أجراها مركز أبحاث اقتصاديات إسطنبول، في ديسمبر(كانون الأول) 2019، بن 49٪ من الأتراك لا يصدقون أن المشروع سوف يدر موارد جديدة.

ويضاف إليه، لم يطلع الأتراك عموماً على المشروع. فقد أظهرت الدراسة ذاتها أن معرفة العامة بالمشروع ضعيفة بشكل مذهل.

إلى ذلك، استغل إمام أوغلو الفرصة لطرح نفسه نداً لأردوغان في خضم سجال له دلالته القومية، بهدف تعزيز حملته في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ويختم الكاتب مقالته بالإشارة إلى أنه إذا استطاع إمام أوغلو كسب الجماهير التركية إلى جانبه في مشروع القناة، فقد يوجه ضربة قاتلة إلى أردوغان في فترة ما قبل انتخابات الرئاسة لعام 2023.