صورة جماعية للزعماء الذين شاركوا في مؤتمر برلين.(أرشيف)
صورة جماعية للزعماء الذين شاركوا في مؤتمر برلين.(أرشيف)
الإثنين 20 يناير 2020 / 20:54

ليبيا.. حيث لا ينفع الندم

عقد مؤتمر برلين وانتهى ببيان سياسي، لكن التدخل التركي لم ينته، والغزو التركي لدولة عربية لم يتوقف، ربما لأن أوروبا والعالم ينظر إلى هذا التدخل باعتباره شأناً إقليمياً

بعيداً عن التفاصيل وحسابات الربح والخسارة والنوايا الطيبة أو السيئة يمكن القول إن مخرجات مؤتمر برلين لم تكن بحجم التوقع، ولم تستجب لإلحاح الحاجة إلى اتخاذ خطوات إجرائية ملزمة لتركيا التي دشنت بالفعل غزواً جديداً لدولة عربية ثانية بعد سوريا.

وربما كان تصريح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أكثر قدرة من البيان الختامي على تلخيص الواقع في الدقيقة الأولى بعد انفضاض المؤتمر.

قال لافروف إن الفجوة بين حفتر والسراج ما زالت كبيرة، ما يعني عملياً أن المؤتمر فشل في تحقيق توافق حقيقي بين الخصمين على الحد الأدنى المطلوب وهو وقف استدامة الهدنة أو إطالة أمدها.

أكد المؤتمر أيضاً على حظر توريد السلاح إلى ليبيا وهو الدور المناط بالأمم المتحدة منذ العام 2011، ومن الواضح أن السلاح تدفق على ليبيا منذ ذلك التاريخ بكميات كبيرة جداً وتحت سمع وأبصار المنظمة الدولية، ولا يزال يتدفق في شحنات متوالية لا تخفي تركيا مسؤوليتها عن إرسالها.

لا تخفي تركيا أيضاً مسؤوليتها عن نشر قوات تابعة لها على الأرض الليبية. وإن كان أردوغان ينفي إرسال قوات من الجيش التركي، ويدعي بأنه أرسل فقط خبراء ومستشارين عسكريين أتراكاً، فإنه لا يستطيع أن ينفي إرسال مرتزقة سوريين وأجانب من مقاتلي الميليشيات العاملة في سوريا إلى ليبيا مؤخراً لمساندة قوات السراج. وتكشف التقارير أن ألفين وأربعمائة مقاتل من هؤلاء المرتزقة دخلوا إلى ليبيا بحماية وتمكين تركي في الأيام الأخيرة، وتضيف التقارير أن أردوغان يستعد لإرسال ستة آلاف مقاتل إضافي من الميليشيات الارتزاقية في سوريا إلى ليبيا قريباً.

على الأرض الليبية أيضا ميليشيات أصولية محلية وأخرى معززة بمرتزقة أفارقة، وكلها تقاتل لمنع توحيد البلاد والحيلولة دون استعادة الدولة، وتتحالف مع السراج وتتقاطع مع الأتراك في العمل على إبقاء الصراع مفتوحاً واستمرار سرقة النفط الليبي وتمكين تركيا الأردوغانية من موطئ قدم في الشمال الإفريقي، وجعل وجودها على الساحل المقابل للجنوب الأوروبي أمراً واقعاً تضطر الدول الأوروبية إلى التعاطي معه.

صحيح أن المؤتمر نجح في فتح ثغرة في الجدار، ولعل هذا النجاح لم يكن ممكناً لولا موقف مصر والإمارات اللتين بذلتا جهداً دبلوماسياً كبيراً في العواصم الأوروبية من أجل إنجاح المؤتمر، وهو ما اعترفت به المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. لكن النجاح السياسي يتطلب إجراءات ميدانية تضمن تحقيق ما تم الاتفاق عليه، ولكبح جماح الأطماع التركية، ووقف تهديدها لأوروبا بموجات من الدواعش المُهَرَبين من سوريا إلى الأراضي الليبية.

لم يتفق المؤتمرون على إجراءات ميدانية حقيقية وقابلة للتنفيذ، وتعاملوا بحسن نية لا يستقيم مع الواقع في قراءتهم لمدى جدية الأتراك أو حليفهم المحلي في الالتزام حتى بتهدئة ولو مؤقتة.

عقد مؤتمر برلين وانتهى ببيان سياسي، لكن التدخل التركي لم ينته، والغزو التركي لدولة عربية لم يتوقف، ربما لأن أوروبا والعالم ينظر إلى هذا التدخل باعتباره شأناً إقليمياً، ويعتبر تركيا طرفاً طبيعيا في الصراع، وكأنها دولة عربية!
يستفيد الأتراك من هذه الرؤية الخاطئة، ويستمرون في كسب الوقت لتعزيز وجودهم العسكري في ليبيا من أجل الوصول إلى تحقيق أمر واقع يصعب تغييره ويجبر الأطراف كافة على التعاطي معه.

أمام هذا المشهد الملتهب بالصراع، ينبغي التحذير من التباطؤ في وقف الغزو التركي، قبل أن نصل إلى الندم في لحظة لا ينفع فيها الندم.