الأربعاء 22 يناير 2020 / 13:13

النظام الإيراني أسقط أحلام شعبه...مع الطائرة الأوكرانية

عندما ألقى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي خطبة صلاة الجمعة في المسجد الكبير في طهران، لأول مرة منذ ثماني سنوات، وصف عملية إسقاط الطائرة الأوكرانية على يد الحرس الثوري بأنها "حادث مأساوي"، يستغله أعداء إيران في الخارج لإضعاف الثقة بالجمهورية الإسلامية. ولكن سوزان مالوني، زميلة بارزة لدى مركز سياسة الشرق الأوسط لدى معهد بروكينز، رأت أن الخطر الحقيقي بالنسبة للنظام الذي سعى خلال العقود الماضية لتعزيز سلطته، يكمن في استياء الشعب الإيراني.

هذه المرة، تتركز الاضطرابات في الجامعات الإيرانية، ولذا ارتفعت أصوات تنتقد وتهاجم الجمهورية الإسلامية من طلاب وأبناء الطبقة الوسطى

وكتبت مالوني، ضمن موقع مجلة "ذا أتلانتيك" أن تحطم الطائرة الأوكرانية في 8 يناير( كانون الثاني)، مع ما أعقبه من تغطية على الحادث، يضرب في عمق المظالم التي تشكل غضب الإيرانيين ونفورهم من حكومتهم. ولكن إذا كان إسقاط الطائرة قد كشف عن تجاهل الحكومة الإيرانية لمواطنيها، فإن قمعها المتواصل لاحتجاجات لاحقة يؤكد ممانعتها لأية مساءلة ذات مغزى.

وحسب الكاتبة، بعد عقوبات دولية استمرت طوال عشرات السنين وعطلت قدرة إيران على شراء طائرات وقطع غيار جديدة، باتت طائرات إيران قديمة ومعرضة لكوارث، لدرجة أن الإيرانيين صدقوا تقارير أولية أرجعت سبب الحادث لمشاكل في المحركات. ولكن التفسيرات المبكرة حول إسقاط الطائرة سرعان ما انهارت تحت وقع أكاذيب واضحة. فقد اسقطت الدفاعات الجوية الإيرانية الطائرة الأوكرانية. واتضح أنهم في سياق انتقامهم من الولايات المتحدة لقتلها الجنرال قاسم سليماني بواسطة طائرة دون طيار، ظن قادة الجيش الإيراني أن طائرة الركاب عبارة عن صاروخ كروز أمريكي. ولكن ما كان لتلك المأساة أن تحدث لو اتخذت طهران تدابير احتياطية بوقف حركة الطيران المدني عندما بدأت هجماتها الصاروخية ضد قوات أمريكية في العراق.

ولكن قادة إيران امتنعوا عن اتخاذ هذا الإجراء. وأشارت قناة إخبارية تصدر بالفارسية من لندن، نقلاً عن مصادر لم تسمها، أن مسؤولين اعتقدوا أن وجود طائرة مدنية في الأجواء الإيرانية سوف يردع أية هجمات أمريكية مضادة.

تحدي النظام
وفور شيوع تلك الأنباء، نزل إيرانيون إلى شوارع عدة مدن، للتعبير عن حزنهم على ضحايا الطائرة- وكان معظمهم إيرانيين أو مزدوجي الجنسية- وأعلنوا تحديهم للنظام. وقبل ذلك ببضعة أيام، سار ملايين من الإيرانيين في الشوارع لتأبين قاسم سليماني الذي أثار مقتله تصعيداً للتوترات الأمريكية – الإيرانية.

وعلى نحو مفاجئ، وعوض خروج مسيرات تنظمها الحكومة مع هتافات "الموت لأمريكا"، اندفع إيرانيون إلى الشوارع لتوبيخ قادتهم، ولصب جام غضبهم على قوات الأمن. وقد فاجأ عمق الغضب الشعبي عدداً من المراقبين في الخارج.

وترى كاتبة المقال أن عملية قتل سليماني في 3 يناير( كانون الثاني)، ودورة التصعيد التي نجمت عنها، غطت إلى حد ما على ثمن دفعه الإيرانيون بالفعل في الجولة الأخيرة من صراع طهران الطويل الأمد مع واشنطن – ثمن أكبر بكثير من الثمن الذي دفعه أعداؤهم الظاهرون. فقد أدى تدافع شهده موكب تشييع سليماني في مسقط رأسه مدينة كرمان، لمقتل ما يزيد عن 50 إيرانياً وجرج عدة مئات. وجاء سقوط هؤلاء القتلى، فضلاً عن وفاة ركاب الطائرة الأوكرانية، بعد شهرين فقط على قتل أجهزة الأمن الرسمية ربما أكثر من 1500 إيراني أثناء اضطرابات اندلعت في نوفمبر( تشرين الثاني). وتعبر جميع تلك الأحداث عن تاريخ طويل من معاناة تعرض لها إيرانيون على يد قادتهم بقدر ما عانوه من خصومهم.

موجات متلاحقة
وفي موجات متعاقبة من الاضطرابات التي هزت إيران خلال السنوات القليلة الماضية، تلفت الكاتبة لتحرك المنتفضين ضد حكومة تعطي الأولوية للمتطلبات الإيديولوجية لحكامها على حساب الحاجات الأساسية لأبنائها.

وقد توصل بعض الإيرانيين لقناعة بأن سعي إيران للسيطرة على المنطقة – بما فيه دعمها لوكلائها مثل حماس وحزب الله- جاء على حساب تطوير البلاد. ولذا رفع المنتفضون شعار"لا أضحي بروحي لأجل غزة ولا لبنان، بل من أجل إيران".

ويبدو، حسب الكاتبة، أن الحزن والغضب بشأن إسقاط الطائرة الأوكرانية استقطبا فئة مختلفة من الإيرانيين عن الذين تظاهروا في نوفمبر( تشرين الثاني)، وفي جولات سابقة من الاضطرابات بسبب ضائقة اقتصادية وانعدام المساواة. في ذلك الوقت، كان معظم المنتفضين شباباً فقراء غاضبين ويائسين بسبب انعدام فرص وفساد يحمي النظام والطبقة الحاكمة من أية عواقب.

لكن هذه المرة، تتركز الاضطرابات في الجامعات الإيرانية، ولذا ارتفعت أصوات تنتقد وتهاجم الجمهورية الإسلامية من طلاب وأبناء الطبقة الوسطى.

وتختم الكاتبة رأيها بأن الثورة الإيرانية واجهت خلال العقود الأربع الأخيرة مخاطر وأزمات عديدة، ولكن الأزمة الحالية كانت مفاجئة أكثر من أي وقت مضى.