الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز (أرشيف)
الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز (أرشيف)
الأربعاء 22 يناير 2020 / 18:33

فلسفة هوبز السياسية

رغم أن فلسفة هوبز تؤيد أي شكل من أشكال الحكم المطلق، فإنه مع ذلك، كان يُفضّل الملكية، لأنه يرى فيها أفضل وسيلة لتحقيق السلام والأمان

استعان الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز ( 1588- 1679)، في فلسفته السياسية، بالمعاني الرائجة في عصره، مثل المساواة، القانون الطبيعي، الحقوق الإنسانية، العقد الاجتماعي، السيادة، العدالة، لكنه كان يعالج هذه المعاني على نحو يختلف كثيراً عن معالجة الفلاسفة السياسيين السابقين عليه، مثل أرسطو، وأفلاطون، والقديس توما الأكويني.

يرى هوبز أن النظام السياسي، هو أمر اصطلاحي، وطبيعي في آن واحد، فهو اصطلاحي بمعنى أن الإنسان أوجده، وهو طبيعي لأن الإنسان قام بتفصيله، وصناعته، وفقاً لميوله الطبيعية، إلا أن الإنسان ليس كائناً اجتماعياً بطبعه كما يقول أرسطو، وليس كائناً عقلانياً كما سيقول فلاسفة عصر التنوير.

بل الإنسان عند هوبز كائن شرير، فاسد، خبيث، حافل بالنقائص، تدفعه المصلحة الذاتية، وتتحكم فيه الغرائز الأولية، البدائية، من أنانية وجشع، وهو لا يذعن إلا إذا خاف، ولا يضحّي بمصالحه إلا مرغماً، ولا يحب السلام لمجرد السلام، بل فزعاً من نتائج الحروب. يلخص هوبز حكمته في قوله: الإنسان للإنسان ذئب، والكل في حرب ضد الكل، والواحد في حرب ضد المجموع.

ومن قلب السلبيات الإنسانية، بحث الإنسان عن علاج، فراح يفتش عن أسباب الحروب والنزاع، وانتهى إلى أن العلاج، هو إيجاد مجتمع تسوده قوانين تحكم الجميع، فيزول الخوف، والنزاع. كيف يمكن إيجاد هذا المجتمع؟

نحن هنا مع هوبز أبعد ما نكون عن فكرة "المجتمع المدني"، الحديثة، الناعمة، التي أشعلتْ حريات فردية ميكروسكوبية، وكانت السبب في حروب أهلية متتالية مثل العدوى. هوبز هنا عندما يذكر فكرة المجتمع الذي تسوده القوانين، فهو بعيد أيضاً عن مجتمع المدينة اليونانية الديموقراطية.

إيجاد المجتمع عند هوبز يكون بتخلي الأفراد عن حقوقهم، وشهواتهم الخاصة، في سبيل أن يخضعوا لإرادة واحدة. تفويض أمرهم إلى إرادة واحدة، تتولى فرض نفسها على الآخرين، أي انتقال حقوق كل فرد إلى فرد واحد. فإذا تخلّت الأفراد عن حقوقها، لفرد واحد، أصبح هذا الفرد أقوى من باقي الأفراد جميعاً، وعندئذٍ سيقوم هذا الفرد بتحقيق الأمن والعدل للأفراد جميعاً.

الشيء المثير في عقد هوبز الاجتماعي، أن العقد بين ثلاثة أطراف، الطرف الأول، هو متعاقد فرد، مشرع سياسي ما، فيلسوف مثل هوبز ربما، قادر على تمثيل الطرف الثاني، والطرف الثاني هو كل أفراد المجتمع، وهو طرف شديد البدائية، والطبيعية، عاجز عن تمثيل نفسه، أما الطرف الثالث، فهو طرف لا يدخل في العقد إلا للانتفاع منه، دون أن يقدم شيئاً في مقابل ذلك، هذا الطرف هو الحاكم.

عقد هوبز الاجتماعي من نوع خاص، إذ يوافق فيه الطرف الثالث، الحاكم، على شروط العقد، لكن دون أن يلتزم بشيء تجاه الغير. وعدم التزام الحاكم في العقد، لا يعني عدم خضوعه للمهمة العاجلة، وهي فض النزاع، وفرض الأمن والسلام في المجتمع، بمخزون القوة الجبّارة التي استلمها على بياض بموجب العقد.

يُلزم عقد هوبز الاجتماعي بتحويل الفرد إلى مواطن، وضم الفرد إلى عضوية المواطنة، وهي عضوية غير قابلة للفسخ، وتعني طلاق الفرد لفرديته إلى الأبد، وبعد أن كان سقف حريته في ارتفاع السماء، يهبط السقف إلى عدة أمتار.

وليس هبوط سقف الحريات هو المرادف المباشر للفاشية، فعلى سبيل المثال، كان الكاتب الأمريكي هنري ميللر يتمتع في كتابته، بسقف حرية، يناطح ارتفاع السماء، وعلى نقيضه كان الكاتب التشيكي فرانز كافكا يكتفي بسقف حرية لا يتجاوز عدة أمتار، ومع ذلك فإن رحابة أدب كافكا، وكونيته، ورؤيته العميقة، تُخجل حرية هنري ميللر المُراهِقة، في الكتابة، الحياة معاً.

عاصر الفيلسوف توماس هوبز الحرب الأهلية البريطانية (1642- 1651)، ولهذا كانت فلسفته السياسية جذرية، تطمح في القضاء على الفوضى، وفي زمن الحروب الأهلية، ترتفع كراهية الديموقراطية، والحرية، والحقوق الإنسانية، التي تجنح إلى التحايل على القوانين، والهروب من العقاب.

معركة القانون في الحروب الأهلية، هي تنفيذ بنوده بأقصى قوة ممكنة، وعلى وجه السرعة، وبعصا غليظة رومانية، حتى تدب هيبة القانون مرة أخرى في قلوب المواطنين. يُتهم الحاكم الذي يقضي على الحروب الأهلية بالفاشية، والاتهام يأتي من الفوضويين الذين تكون مصلحتهم في عدم تنفيذ القانون.
كانت الحرب الأهلية عند هوبز حرباً حول المبادئ، إنها نزاع عقلي، وكل فرد فيها، يعتقد أن رأيه هو الصواب، وفي سبيل هذا الرأي، فهو على استعداد للقتل.

على الرغم من أن فلسفة هوبز تؤيد أي شكل من أشكال الحكم المطلق، فإنه مع ذلك، كان يُفضّل الملكية، لأنه يرى فيها أفضل وسيلة لتحقيق السلام والأمان، فالمقربون من الملك، أقل عدداً من أية جمعية نيابية، وقرارات الملك تصدر دون اختلاف في الرأي، فتكون بذلك أشد رسوخاً، بعكس الحال في قرارات المجالس النيابية.

أشارتْ أصابع البرلمان الإنجليزي في القرن السابع عشر إلى نظريات توماس هوبز الفلسفية، بأنها السبب في "الطاعون" ، و"الحريق الكبير" الذي أصاب لندن 1666، ومن هنا فقد حُرّمت كتبه، ولُعنت في الكنائس، وأُحرقت علناً، حتى أن جامعة أوكسفورد حرّمت قراءة، أو تداول مؤلفاته.