زعماء شاركوا في إحياء ذكرى  75 عاماً على تحرير معسكر "أوشفيتز".(أف ب)
زعماء شاركوا في إحياء ذكرى 75 عاماً على تحرير معسكر "أوشفيتز".(أف ب)
الجمعة 24 يناير 2020 / 18:50

عالم منافق.. يحزن لعرق الجلاد ولا يرى دم الضحية

م تحفظي على الكثير من التعابير والمواقف الواردة في مقالة جدعون ليفي إلا أنني وجدت فيها صرخة تعوّض عن الفراغ المرعب في انتقاد تظاهرة التكذاب وتزييف التاريخ

طعنة جديدة توجه لقلب الشعب الفلسطيني من قبل العالم الذي يمارس النفاق والكذب والتدليس تحت شعارات أقل ما يقال عنها إنها كاذبة ووقحة.
بالأمس التقى في مدينة القدس المحتلة 40 شخصية رفيعة المستوى غالبيتها من أوروبا، جاؤوا إلى المدينة المحتلة ليحيوا ذكرى المحرقة ومن أبرزهم الرئيس الفرنسي ماكرون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأمير تشارلز ولي عهد المملكة المتحدة ونائب الرئيس الأمريكي مايك بنس والرئيس الألماني وغيرهم، هذا التجمع من المفترض أنه يعبر عن تعاطف مع ضحايا المحرقة أو ما يطلق عليه "الهولوكوست" وهي الجريمة التي راح ضحيتها أعداد كبيرة من اليهود على أيدي الجيش النازي في بولندا. وبغض النظر عن مدى دقة الروايات المتناقلة والمكتوبة عن هذه الجريمة فأن "الهولوكوست" تحول إلى أكبر عملية ابتزاز للمجتمع الدولي بصورة عامة وأوروبا بصورة خاصة، ابتزاز مارسته الصهيونية العالمية وكانت نتيجته محرقة أخرى تمثلت باغتصاب فلسطين وطرد أهلها وقتلهم بعد عملية تزوير معقدة جرى تركيبها وصناعتها على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان ابتداءً مع مساعي هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية، لإقناع الدول الأوروبية والدولة العثمانية بضرورة أن يكون لليهود وطن قومي في فلسطين.

اليوم وبعد 72 عاماً من قيام دولة الكيان الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية وعلى حساب شعب آخر، يمعن نتانياهو في عملية تزوير التاريخ وإعادة إنتاجه على أرضية نكران وجود الشعب الفلسطيني بل ونكران حقوقه ويريد جر العالم الى تلك القناعات "الملوثة" للعقل الإنساني والتي تمهده ليكون "مكباً" للنفايات الدينية وللأفكار العنصرية والسلوك الهمجي ومستجيباً لها.

نتانياهو يريد استكمال الاستثمار البشع برواية "الهولوكوست" ولكنه اليوم يريد "ترهيب العالم أخلاقياً"، من أجل تحقيق هدفين اثنين:
الأول: شخصي بحت، حيث أنه يرى في جلب قادة أربعين دولة، غالبيتهم من أوروبا بمثابة انتصار سياسي له، وإظهاره بمظهر الزعيم القوي الذي يحترمه العالم الحر ويتعاون معه، وهو أمر سيعزز فرص فوزه وفوز حزبه في الانتخابات المقبلة.

الثاني: يحاول نتانياهو إعادة اختراع كذبة "الهولوكوست" واعطاءها إطاراً تاريخياً جديداً يؤرخ باسمه، ويساهم في ابتزاز العالم سياسياً وأخلاقياً من أجل الانصياع للمطالب اللاشرعية التي يطالب بها اليمين الإسرائيلي والأحزاب اليمينية المتطرفة، ومن أبرزها ضم غور الأردن وإعادة احتلال الضفة الغربية والمستوطنات وضمها إلى الكيان الإسرائيلي.

من الغريب للغاية أن الجسم الرسمي العربي بكل أشكاله أصيب بحالة من الفزع والخوف أفقدته القدرة على انتقاد هذه التظاهرة "اللاسامية ضد الشعب الفلسطيني"، وهو خوف غير مبرر يدعم بصورة أو بأخرى القوى الراديكالية والمتطرفة في العالمين العربي والإسلامي والتي التقطت اللحظة من أجل المزايدة السياسية وإعطاء نفسها الشرعية "للركوب" على أكتاف القضية الفلسطينية على غرار الحالة "الأردوغانية" أو الحالة الإيرانية.

لقد كان جدعون ليفي الكاتب اليساري الحر هو الصوت الفلسطيني والعربي والانساني في مقاله "التاريخي" في صحيفة "هآرتس" الذي كتبه يوم 23 من هذا الشهر تعليقاً على "تظاهرة الهولوكوست" تحت عنوان (من "يد فاشيم" اذهبوا إلى زيارة غيتو غزة ). وفي هذا المقال المهم للغاية أكد على عدد من الحقائق كشفت زيف وكذب الدولة الإسرائيلية وديمقراطيتها المزعومة.

واقتبس ما يلي:
أولاً: من الجيد أن يأتي الملوك والرؤساء والأمراء إلى هنا في اليوم العالمي للمحرقة. ومن المشين أن يتجاهلوا كيف ينكّل ضحاياها بأبناء شعب آخر.

ثانياً: طبعاً ممنوع أن ننسى المحرقة. وأيضاً ممنوع أن نطمس حقيقة أنها وُجهت ضد "الشعب اليهودي". لكن تحديداً لهذا السبب، ممنوع أن ننسى سلوك ضحاياها إزاء الضحية الأُخرى لمحرقة اليهود، الشعب الفلسطيني الذي لولا المحرقة لما كان خسر بلده، ويعيش اليوم في معسكر اعتقال هائل في غزة، وتحت احتلال عسكري وحشي في الضفة الغربية.

ثالثاً: عندما سينشدون اليوم أن هذا لن يتكرر، يجب أن يلقوا نظرة مباشرة نحو الشرق والجنوب، على بعد بضعة كيلومترات من القاعة التذكارية في "يد فاشيم". لا محرقة بل أبرتهايد. لا إبادة، لكنه تنكيل منهجي بشعب، لا أوشفيتز، بل غزة. هل من الممكن تجاهُل ذلك في يوم المحرقة العالمي؟
رابعاً: من الصعب أن نصدق أن أياً من زعماء العالم الذين جاؤوا إلى القدس لم يخطر في باله، عندما ستنتهي المراسم، زيارة غزة. لو كان لدى أحدهم الجرأة على القيام بذلك، لكان خدم ذكرى المحرقة بصورة لا تقل عن زيارته إلى ياد فاشيم. ليس هناك كثير من الأماكن في العالم التي يجب أن تتردد فيها عبارة "لن يتكرر ذلك" مثل جدران هذا الغيتو الضخم الذي صنعته دولة الناجين من المحرقة. لا تريدون زيارة غزة ولا رؤية ما يجري فيها؟ لا تريدون التضامن مع مليوني شخص أسرى منذ أكثر من 14 عاماً في معسكر اعتقال، يقع على بعد مسافة ساعة بالسيارة من القدس؟ كيف يمكن ألّا تصرخوا "لن يتكرر ذلك" في غزة؟

رغم تحفظي على الكثير من التعابير والمواقف الواردة في مقالة جدعون ليفي التي اخترتها كتعبير إنساني ضد الهمجية الاسرائيلية إلا أنني وجدت فيها صرخة تعوّض عن الفراغ المرعب في انتقاد تظاهرة التكذاب وتزييف التاريخ.