الإثنين 27 يناير 2020 / 15:14

الضغط الأقصى على إيران لم يبلغ ذروته بعد

كتب ريتشارد غولدبرغ، في مقال بصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن استراتيجية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمواجهة إيران تتمثل في فرض الضغط الأقصى لكسب أكبر قدر من النفوذ قبل التفاوض على تفكيك برنامجها النووي ومعالجة أنشطتها الخبيثة، وفي الوقت نفسه تجنب التصعيد العسكري أو سياسة تغيير النظام.

يمكن أيضاً اتخاذ خطوات إضافية لحرمان إيران من المزايا الاستراتيجية التي لاتزال تتمتع بها بموجب الاتفاق النووي وقرار مجلس الأمن الدولي في هذا الخصوص

ويُشير غولدبرغ، كبير المستشارين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الذي عمل مؤخراً مديراً لمجلس الأمن القومي الأمريكي لمكافحة أسلحة الدمار الشامل الإيرانية، إلى أن حملة الضغط الأقصى قد تجبر طهران على التفاوض؛ إذ يدرك ملالي طهران أن استراتيجية ترامب دفعت اقتصادهم بالفعل إلى الركود، وقد يسقط نظامهم الحاكم إذا لم يتم رفع العقوبات الاقتصادية قريباً.

زعزعة استقرار نظام الملالي
ويعتبر كاتب المقال أن قتل نظام الملالي قرابة 1500 من المحتجين الإيرانيين، الذين تظاهروا ضد سياسة التقشف التي تنتهجها حكومة طهران، يعكس مدى زعزعة استقرار نظام الملالي وتزايد مخاوفه من المواطنين المقموعين.
ولا يحتاج نظام الملالي إلى الوثوق بالولايات المتحدة أو الرئيس ترامب لإبرام صفقة، برأي الكاتب، وإنما فقط إلى التصرف بشكل عقلاني لتجنب الانهيار. وعلى عكس الاتفاق النووي الإيراني للعام 2015 الذي كان بمثابة اتفاق سياسي هش وغير ملزم يخضع للمد والجزر في السياسات الأمريكية، فإن ترامب قادر على تقديم معاهدة مُلزمة إلى مجلس الشيوخ للتصديق عليها.

وتبدو خيارات طهران التقليدية محدودة لأنها لا تستطيع الفوز في مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة، وبدلاً من ذلك يسعى نظام الملالي إلى الاستفزازات، الجاذبة للعناوين الرئيسية، لإثارة النقاش السياسي في الديمقراطيات المفتوحة (أوروبا والولايات المتحدة) مع تجنب الانتقام العسكري المباشر.

استفزازات إيران
ويورد الكاتب أن قائمة الاستفزازات الإيرانية خلال العام الماضي تضمنت إسقاط طائرة أمريكية بدون طيار، وهجمات بالألغام على سفن في مضيق هرمز، إضافة إلى الضربات الصاروخية على منشآت النفط السعودية. وعلى الصعيد النووي، يثير جهد إيران البطيء (ولكن الثابت) لاختراق الجدول الزمني لاستئناف برنامجها النووي أجراس الإنذار في العواصم الغربية، ولكن من دون تحفيز شن ضربة عسكرية أمريكية أو إسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية.

ويرى الكاتب أن كل نقطة من تلك الإجراءات التصعيدية كانت تستهدف استدراج ترامب لتطبيق المبدأ الخطأ الذي مفاده أن ثمة خيارين فقط للتعامل مع إيران: الحرب أو الرجوع إلى الصفقة النووية المعيبة لعام 2015. وتعتبر إيران أنها إذا نجحت في أن تجعل الحرب تبدو وشيكة، فإنها قد تجبر ترامب بشكل غير مباشر على تخفيف العقوبات من دون حتى الدخول في مفاوضات مباشرة، الأمر الذي يضمن بقاء نظام الملالي.

ولكن الرئيس ترامب أدرك جيداً هذا الفخ وانتهج الصبر الاستراتيجي بدلاً من استخدام ردود عسكرية على الاستفزازات الإيرانية والتي قد تتحول ضده وتجبره على تخفيف العقوبات قبل الأوان من دون تحقيق أي أهداف أمنية ووطنية طويلة الأمد.

نهج "الصبر الاستراتيجي"
ويقول الكاتب: "قد يكون ذلك بالفعل ما اعتقد الجنرال قاسم سليماني أنه سوف يحققه بعد قتل مقاول أمريكي وشن هجوم على السفارة الأمريكية في العراق. ولكن ترامب فاجأ إيران باغتيال سليماني أكبر خبير استراتيجي للإرهاب وقائد فيلق القدس، ثم فاجأها مرة أخرى بالرد على العملية الإيرانية الصاروخية للانتقام لاغتيال سليماني بالعودة إلى الصبر الاستراتيجي. وخرج ترامب من الأسابيع القليلة الماضية وهو في وضع أقوى؛ حيث لم تتأثر حملة الضغط الأقصى المستمرة في التطبيق، إضافة إلى توافر حيز سياسي لزيادة ضغط العقوبات بشكل أكبر. وتواجه إيران احتجاجات العنيفة في الداخل والخارج بعد إسقاطها للطائرة الأوكرانية".

وينتقد الكاتب الكثيرين الذين يعتقدون أن الولايات المتحدة قد وصلت فعلاً إلى الضغط الأقصى على إيران؛ إذ لايزال هناك العديد من نقاط الضعف الحرجة التي لم تستغلها الولايات المتحدة بعد. وخلال الشهر الجاري فرضت إدارة ترامب عقوبات جديدة على قطاعات البناء والتعدين والتصنيع الإيرانية، مع اتخاذ الخطوات الأولى في فرض إجراءات صارمة ضد منتهكي العقوبات الأمريكية بشأن المعادن والبتروكيماويات الإيرانية.

ومن المقرر أن تصبح العقوبات الخاصة بخطوط الشحن الإيرانية الحكومية سارية في يونيو (حزيران) المقبل، وقد يتم التسريع بتطبيقها لمزيد من التأثير الفوري.

عقوبات ضد القطاع المالي
وثمة هدف آخر محتمل للعقوبات الأمريكية، كما يوضح الكاتب، وهو القطاع المالي الإيراني بأكمله. وكان السناتور تيد كروز والنائب مايك غالاغر قد اقترحا في 2018 تشريعاً يفرض عقوبات على القطاع المالي الإيراني وقررت الولايات المتحدة مؤخراً أن يكون "اختصاصاً أساسيا في قضية غسيل الأموال".

وقد يقود ذلك إلى زعزعة الاستقرار، والعزل الفوري لجميع البنوك التي لا تخضع لعقوبات داخل إيران عن التجارة الدولية، إضافة إلى إجبار تلك المصارف على الانفصال عن نظام الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (السويفت)، فضلاً عن منع الوصول إلى جميع احتياطات النقد الأجنبي المتبقية خارج إيران لأي غرض.

ويلفت الكاتب إلى أنه يمكن أيضاً اتخاذ خطوات إضافية لحرمان إيران من المزايا الاستراتيجية التي لاتزال تتمتع بها بموجب الاتفاق النووي وقرار مجلس الأمن الدولي في هذا الخصوص، وتحديداً البرنامج الزمني المقرر لرفع القيود الرئيسية المفروضة على البرنامج النووي الإيراني وتطوير الصواريخ ونقل الأسلحة التقليدية.

استعادة العقوبات الدولية
ويمنح توسع إيران مؤخراً في تخصيب اليورانيوم، إلى جانب سلوكها العنيف المستمر، الولايات المتحدة وأوروبا ذريعة كافية لاستخدام بند "العودة للعقوبات" بالاتفاق النووي، الأمر الذي سيقود إلى اعادة تفعيل قرارات مجلس الأمن السابقة بشأن إيران وتقويض العقبة الرئيسية لكي تتخذ إيران قرارها بالتفاوض. ومؤخراً، بدأت بريطانيا وفرنسا وألمانيا إجراءات في هذا الشأن.

ويختتم المقال: "قد يكون من المستبعد أن يسمح المرشد الأعلى الإيراني على خامنئي بإجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة، رغم الانهيار الاقتصادي الوشيك لنظامه والعزلة السياسية الدولية، ولكن إذا نجح ترامب في تحقيق الضغط الأقصى الحقيقي واعادة القيود الدولية على إيران، فعلى الأرجح أن يتبع ذلك مكالمة هاتفية من طهران تعرب عن الموافقة على التفاوض من دون شروط مسبقة".