الثلاثاء 28 يناير 2020 / 12:42

عدوانية أردوغان تنفّر العرب والأوروبيين

كتبت لورا بيتل، مراسلة صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، أن السياسة الخارجية العدوانية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان تزعزع النظام الدولي، مضيفة أن التدخلات العسكرية في ليبيا وسوريا أدت إلى إعادة تشكيل علاقات تركيا.

تركيا تتحمل أيضاً مسؤولية الخلافات الناجمة عن تعديل سياستها الخارجية بسبب تقويض الحريات الأساسية في البلاد خلال العقد الماضي

وتُشير المراسلة إلى تصريحات أردوغان عقب الاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس حلف الناتو والتي توجه رسالة واضحة عن عزم أنقرة على أن يُنظر إليها كقوة عالمية تتمتع بالحكم الذاتي وقادرة على إطلاق عملية لحماية أمنها القومي دون طلب إذن من أي شخص.

سياسة أحادية الجانب
وتصف المراسلة هذه التصريحات بأنها نموذج للسياسة الخارجية الحازمة، التي غالباً ما تكون أحادية الجانب، والتي ينتهجها أردوغان في السنوات الأخيرة. وخلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تحدت تركيا الحلفاء الغربيين وحلف الناتو وأرسلت قوات عسكرية إلى شمال شرق سوريا، وعقب مرور شهرين تعهد أردوغان أيضاً بنشر قوات عسكرية في ليبيا رغم مطالبة الأمم المتحدة للعالم باحترام حظر الأسلحة.

ويقول تقرير الصحيفة البريطانية إن "رغبة تركيا في كسب نفوذ أكبر في جوارها ليست جديدة، ولكن جرأة أردوغان المتزايدة في السعي نحو تحقيق أهدافه قد أثارت غضب الزعماء الأوروبيين والعرب على حد سواء. وبحسب دبلوماسي أوروبي، باتت تركيا أكثر عدوانية وتراكمت القضايا".

ويوضح التقرير أن النشاط التركي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تنامى عقب بداية الانتفاضات العربية التي هزت المنطقة في 2011. وراهنت أنقرة على أن نظام الإسلام السياسي كان صاعداً، ولذلك نقلت دعمها إلى جماعات المعارضة التي كانت تقاتل الرئيس السوري بشار الأسد وكذلك حشدت قواها لدعم الرئيس الإخواني محمد مرسي.

مقامرة فاشلة
ويرى التقرير أن أنقرة كانت تأمل في أن تساعد تدخلاتها في استعادة أجزاء من الإمبراطورية العثمانية السابقة، بيد أن المقامرة فشلت، وتدخلت روسيا لانقاذ نظام الأسد، وأطاح المصريون بالرئيس الإخواني محمد مرسي في ثورة 30 يونيو.

وقد ظهر النهج التركي الجديد القائم على تفضيل العمل العسكري المباشر بعد محاولة الانقلاب الفاشل ضد أردوغان في 2016 والتي أسفرت عن إضعاف الحكم الذاتي للجيش التركي وتمكين أردوغان من تعزيز سلطاته.

ومنذ ذلك الحين، شنت تركيا عمليات توغل عسكرية منفصلة في شمال سوريا، بما في ذلك هجوم أكتوبر (تشرين الأول) المثير للجدل ضد الميليشات الكردية، حليفة الولايات المتحدة في محاربة تنظيم داعش الإرهابي.

وعلاوة على ذلك، انحازت تركيا إلى قطر في الخلاف مع دول الرباعي العربي، كما أرسلت سفناً حربية لمنع شركات النفط الأوروبية من التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط، فضلاً عن تحدي رغبات حلفاء الناتو من خلال الإصرار على شراء أنظمة الدفاع الجوي الروسية.

موطئ قدم في إفريقيا
ولفت التقرير إلى أن أردوغان، الذي بدأ يوم الأحد الماضي جولة تشمل الجزائر وغامبيا والسنغال، يسعى إلى إقامة موطئ قدم لتركيا في إفريقيا. ولكن الخطوة الأكثر إثارة للدهشة، برأي مراسلة "فايننشال تايمز"، تمثلت في قرار أردوغان الشهر الماضي بالانخراط أكثر في النزاع الليبي من خلال إرسال مستشاريين عسكرين وميليشيات سورية مرتزقة مدعومة من تركيا، لمساعدة حكومة الوفاق الوطني المحاصرة في طرابلس (المدعومة من الأمم المتحدة).

وتلفت المراسلة إلى أن التدخل العسكري يضمن لتركيا مكاناً على طاولة المفاوضات حول مستقبل ليبيا التي مزقتها الحرب، ولكنه في الوقت نفسه أثار انتقادات شديدة من واشنطن والعواصم الأوروبية، وكذلك استياء القوى الخليجية؛ إذ باتت تركيا قوى مزعزعة للاستقرار.

ويرى سنان أولغن، دبلوماسي تركي سابق ويترأس الآن مركز "إيدام" في اسطنبول، أن انهيار علاقة أنقرة بالولايات المتحدة وعدم فاعلية علاقتها مع الاتحاد الأوروبي، إلى جانب تلاشي الطموحات التركية بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، كلها أمور جعلت تركيا أكثر عدوانية في معالجة مخاوفها الأمنية.

ولكن أولغن يشدد على أن تركيا تتحمل أيضاً مسؤولية الخلافات الناجمة عن تعديل سياستها الخارجية بسبب تقويض الحريات الأساسية في البلاد خلال العقد الماضي، الأمر الذي أثار قلق المسؤولين في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وباتت الأحداث المحلية التي تشهدها البلاد عائقاً أمام انتقال تركيا بسلاسة إلى التغييرات في علاقاتها الدولية.

المخاطرة بالمصالح الاقتصادية

ويورد تقرير "فايننشال تايمز" أن السياسة الخارجية أصبحت متداخلة بشكل متزايد مع السياسة الداخلية، وخصوصاً مع سعي أردوغان في أغلب الأوقات إلى استعداء الدول الغربية لحشد الدعم الشعبي في الداخل.

ويخلص التقرير غلى أنه حتى مع الصدى الواسع الذي يحققه موقف أردوغان داخل تركيا، إلا أنه لا يزال مقيداً بسبب اعتماد بلاده المستمر على الغرب كشريك تجاري ومصدر للاستثمار الأجنبي. وانعكس ذلك بوضوح في 2018 عندما غرقت البلاد في أزمة عملة بعد فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقوبات اقتصادية ضد تركيا لاجبارها على حل نزاع دبلوماسي.

ويختتم التقرير "تقوم تركيا بتنويع شركائها في الأمن والدفاع ولكن ليس في الاقتصاد، ولذلك إذا أضرت تركيا بعلاقتها مع الغرب بسبب مصالحها الأمنية أو تحركاتها الأحادية الجانب، فإنها تخاطر أيضاً بأن تصبح ضعيفة اقتصادياً".