الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (أرشيف)
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (أرشيف)
الأربعاء 29 يناير 2020 / 19:57

قضية عزل ترامب

غرد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأحد الماضي، على تويتر، سلاحه الفتاك، أن محامييه في قضية عزله، مزّقوا تماماً حجج الديمقراطيين، وأن خدعة الإقالة التي أقامها الديمقراطيون ضده، هي تدخل سافر في الانتخابات الأمريكية، لم يسبق لها مثيل من قبل، ثم وصف ترامب الديمقراطيين باليسار الراديكالي.

الأمريكيون بعد تصفية ما يُعرف باليسار في الحرب الباردة، وما بعدها، احتفظوا بتذكار رمزي، متحفي لليسار، وهو تذكار مفيد للعبة الحياة الديمقراطية

الجدير بالذكر أن الأمريكيين بعد تصفية ما يُعرف باليسار في الحرب الباردة، وما بعدها، احتفظوا بتذكار رمزي، متحفي لليسار، وهو تذكار مفيد للعبة الحياة الديمقراطية، فعلى سبيل المثال، يعتبر الأمريكيون المرشح الديمقراطي المحتمل في انتخابات الرئاسة الأمريكية بيرني ساندرز، سيناتور فيرمونت، تقدمياً، ويسارياً، وشيوعياً، وماركسياً.

ورغم أن بيرني ساندرز تقدم حديثاً في نقاط استطلاعات الرأي على منافسيه في الحزب الديمقراطي، جو بايدن، وإليزابيث وارن، إلا أن العداء الشديد، حتى لرمزية اليسار، تؤجل في الغالب للشهور الحاسمة في الانتخابات الأمريكية، وهي لا تزال بعيدة، وعندما تقترب، ستُفتح على ساندرز نيران المدفعية، بأنه تقدمي، ويساري، وشيوعي، وماركسي. ومن باب الإحماء، أعلن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، أنه يزداد قلقاً من صعود ساندرز الاشتراكي في استطلاعات الرأي.

نعود من استطراد رمزية اليسار الفولكلوري في السياسة الأمريكية، إلى مواصلة دونالد ترامب، هجومه، القوي، والمباشر، على آدم شيف، المدعي العام الرئيسي للديمقراطيين، وذلك بقوله: "ربما يكون آدم شيف رجلاً مريضاً للغاية، وهو لم يدفع الثمن بعد على ما فعله ببلدنا".

رد آدم شيف أن الرئيس الأمريكي تعمد تهديده على تويتر بقوله: "لم يدفع الثمن بعد". في ساحة تويتر يبقى الديموقراطيون دائماً في حالة رد فعل، لما يقوله دونالد ترامب، الذي يعرف أن كلماته المباشرة، تروق لكثير من الأمريكيين، بصرف النظر عن تحقيق تلك الكلمات على أرض الواقع.

سيقرر مائة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، مصير الرئيس الأمريكي، حيث يقدم محامو ترامب حججهم، وأن الرئيس الأمريكي لم يرتكب أي خطأ في مطالبة أوكرانيا يوليو (تموز) الماضي، بإجراء تحقيق مع أحد منافسيه الديمقراطيين، على رئاسة البيت الأبيض في 2020، وهو جو بايدن، والتحقيق كذلك مع نجله هانتر بايدن.

الشبهات تدور حول هنتر بايدن نجل جو بايدن، الذي كان يأخذ عمولات مالية من شركة غاز أوكرانية كبرى، مقابل حمايتها بنفوذ اسمه في مجلس إدارتها، وهذه التهم تطال عادةً الكثير من أبناء السياسيين الأمريكيين، والأوروبيين، على حد سواء.

أوضح الديمقراطيون في الكونغرس، أن قضيتهم تتعلق بخطورة دونالد ترامب على الأمن القومي الأمريكي، واستمراره في الاستفادة من نفوذه السياسي، وذلك بالتهديد بحجب المساعدات العسكرية الأمريكية عن أوكرانيا، وهي مساعدات تقدّر بـ 391 مليون دولار، إذا لم تتعاون الأخيرة معه، والتعاون يعني إدانة جو بايدن ونجله، بالفساد المالي.

سمح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سبتمبر(أيلول) الماضي، بعد تأخير دام 55 يوماً، بالمساعدات العسكرية لأوكرانيا. خمن بعض المحللين السياسيين أن فريق دفاع دونالد ترامب، اقترح عليه، نسف قضية الديمقراطيين من أساسها، فالمساعدات العسكرية لم تُحجب عن أوكرانيا، والتأخير يرجع فقط إلى إجراءات شكلية بيروقراطية، لا بد منها.

من جهة أخرى لم يفتح فولوديمير زيلينسكي، تحقيقاً في فساد جو بايدن ونجله، أي أن زيلينسكي وقف في صف الديمقراطيين، أو توقع بحس السياسي، أن الانتظار الصامت، كفيل بحل الأزمة التي لا تتعدى المعارك الانتخابية، وأن الفساد المالي لم يكن مقصوداً في ذاته.

يستأنف الديمقراطيون جهودهم في محاولة لجعل مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الجمهورية، يقبل التصويت على استدعاء الشهود الرئيسيين في قضية ترامب، ومنهم مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون.

الديموقراطيون لديهم أمل كبير في أن ينصف مجلس الشيوخ  العدالة المحايدة في قضية عزل ترامب، فمصير البلاد بين يديه.

في نفس الوقت يتهم آدم شيف، المدعي العام للديموقراطيين، مجلس الشيوخ برفض استدعاء الشهود، ويقول: "أعتقد أنهم خائفون من سماع شهادات جديدة". إن استراتيجية الجمهوريين، تحرم الأمريكيين من محاكمة عادلة.

يملك الجمهوريون الأغلبية في مجلس الشيوخ، ويحتاج الديمقراطيون إلى أربعة أصوات جمهورية لتفعيل استدعاء الشهود. إذا نجح الديموقراطيون في استدعاء مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، فإن دونالد ترامب سيطلب استدعاء هانتر بايدن نجل جو بايدن، للشهادة...تلاعبني ألاعبك.

قال آدم شيف، المدعي العام للديمقراطيين إن من حق الرئيس دونالد ترامب استدعاء الشهود المعنيين، وليس الشهود من غير ذوي الصلة. بالطبع هانتر بايدن في صلب قضية عزل ترامب إلا أن نفاد صبر آدم شيف، أسقطه في نفي الصلة عن نجل جو بايدن.

المفارقة العميقة أمام الناخب الأمريكي، وهو غير مؤهل للتعامل مع المفارقات، فهي فلسفية في النهاية، وغير قابلة للحل، حتى لغير الأمريكيين، أن السياسة متغيرة، والأخلاق ثابتة، لكن السياسة تفضل استعمال الأخلاق في خطابها، ولأن السياسة سريعة الإيقاع، فهي تستخدم الأخلاق بشكل مفرط.

الديمقراطيون لا يريدون سوى العدالة الناجزة، والحقيقة، والخير، والسلام، للشعب الأمريكي، وللعالم أجمع، وللجمهوريين أيضاً.