الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
الخميس 30 يناير 2020 / 20:00

الصفقة هي "نتانياهو"

رغم كل شيء، الإثارة والتشويق على مدى ثلاث سنوات، التسريبات المدروسة حمّالة الأوجه، الإشارات المتناقضة والخرائط، الضغط والتهديد والإغواء بمعناه السياسي والوعود الاقتصادية ووعود الحماية، رغم كل هذا الجهد كان العرض باهتاً ومبتذلاً، ولم يسعفه التصفيق المتصل ولا نهوض المدعويين وجلوسهم، أو الإخراج التمثيلي المبتذل على المنصة.

لم تترك الإيماءات المتبادلة بين ترامب ونتانياهو ولا المصافحات الأثر المنشود، ولم تنجح الخارطة الخيطية التي أعلن ترامب أن الثلاثي كوشنر، وغرينبلات، وفريدمان قد شقوا في رسمها وتقطيبها، لم تنجح سوى باجتذاب السخرية وتعزيز الابتذال، الخارطة المرسومة بحذر من لا يريد أن يتسبب بتعكير أحلام المستوطنين التوراتية، بدا خيطها، الخارطة، حذراً بحيث تجنب الاصطدام بأي مستوطن وأي نبوءة من نبوءات العهد القديم، أو نظرية الأمن المرضية التي يعاني منها الإسرائيليون.

في استكمال للكوميديا يقول الفلسطينيون إنها، الخارطة، ليست جديدة، وأن إسرائيل عرضتها عليهم في 2011 وأنهم رفضوها، ثم عادوا إلى عرضها مرة أخرى في 2012 دون تغيير يذكر على بنودها، ورفضها الفلسطينيون من جديد.

خارطة أمنية إسرائيلية قديمة، هذا ما قدمه ترامب في استعراض الثلاثاء الماضي، خارطة وضعها ضباط المخابرات، وأجهزة الأمن الإسرائيلية، والإدارة المدنية للاحتلال بإشراف من مجلس المستوطنات، وأحزاب اليمين الفاشي وحاخامات المستوطنين، وأعاد السفير الأمريكي فريدمان إحياءها وتبنيها من جديد، خارطة أخرجت من الأدراج وعرضت على أنها "رؤية ترامب للسلام" ونتاج عبقرية كوشنر وفريقه، الذين أغدق عليهم الرئيس المدائح وانحنوا بتواضع أمام تصفيق المدعويين المبهورين.

في إسرائيل، لأسباب كثيرة، يبدو المشهد أكثر وضوحاً، ويدخل في سياق محاولات إدارة ترامب لانقاذ نتانياهو وإعادته إلى مقعد رئيس الوزراء، محاولات حثيثة تضمنت نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ثم ضم هضبة الجولان السورية، والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، ومضاعفة الدعم العسكري لإسرائيل، والتلويح باتفاقية دفاع مشترك، ولكن الهدف تعثر، فشل نتانياهو في الوصول إلى مقعد رئاسة الوزراء لمرتين متتاليتين حتى الآن، واستطلاعات الرأي تشير إلى تراجع جديد في حظوظه.

المبالغة المستميتة في حماية نتانياهو دفعت محرر الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس" يوسي فيرطر إلى القول: "حتى لو سمح ترامب وكوشنر لنتانياهو بضم القمر سيذهب نتانياهو الى المحكمة".

أما المحلل السياسي في "معاريف" بن كسبيت فيقول ما معناه: "بعد فشله في الحصول على الحصانة ووصول لائحة الاتهام إلى المحكمة لن يتمكن نتانياهو من الإفلات من المثول أمام القضاء، حتى لوحصل على 80 مقعداً في الكنيست في الانتخابات القادمة في مارس (آذار)" المقبل.

هذه نماذج من تحليلات كثيرة حملها الإعلام الإسرائيلي في سياق جدل محتدم قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الثالثة.

الارتباك والتردد والهلع والصدمة كانت من نصيب الإعلام العربي والفلسطيني، وظهر بوضوح في العبارات "الديبلوماسية" المرتبكة التي صدرت عن المستوى الرسمي العربي، والصدمة والارتباك الغريبة التي وسمت ردة الفعل الفلسطينية الرسمية.

كان ملفتاً مشهد الوجوم والتخبط في "المقاطعة" في رام الله، الذي يوحي وكأن ثمة مفاجأة في الأمر! وهذا يعزز فكرة العجز وعدم الرغبة في التغيير والاعتبار من التجربة، كما يذكر من جديد بعدم كفاءة الأغلبية الساحقة من المتزاحمين على المنصة.

ليس مقنعاً نداء الوحدة المتأخر، أواتصال هنية ووفد الضفة الذي سيذهب إلى غزة، أو دعوة حماس لاجتماع في المقاطعة، وليس مهماً قبول حماس والجهاد للدعوة، المصالحة يجب تجري مع الشارع أولاً.

هذه الهبة المتأخرة المشوشة والصراخ والعويل والوجوه المستهلكة، هي جزء أساسي من أزمة المستوى السياسي الفلسطيني.

الشيء الوحيد الذي يمكن احتسابه هنا هو الفرصة النادرة  التي وفرتها صفقة ترامب نتانياهو للمباشرة في تنظيف البيت الفلسطيني وفتح الشبابيك لاستبدال الهواء الفاسد، والتخلص من النفايات.

لقد بات واضحاً أن الشارع الفلسطيني لن ينتظر التعليمات ممن يعرف جيداً أنهم من أسباب الخسارة، وهذا أيضاً ما يفسر الاستجابة غير المقنعة لنداءات السلطة وحماس.

لا ينبغي الاستخفاف برؤية ترامب، رغم ما يعتريها من كوميديا وهشاشة، وعدم قدرة على الإقناع وتناقضها الاستفزازي مع الشرعية الدولية، ولا ينبغي التقليل من خطورتها ومن المدى الذي سيذهب إليه الرجل في محاولاته لفرضها.

الاستثمار الطويل والمكلف في نتانياهو هو الصفقة الحقيقية عند ترامب" وفريقه من الإنجيليين والتوراتيين، وهي صفقة مهددة وستنهار في حالة سقوطه، نتانياهو، وسيترك انهيارها تأثيراته القوية على حملة ترامب الانتخابية نفسها.

الديمقراطيون يعرفون ذلك جيداً ويعرفون أن سقوط نتانياهو واليمين الديني في إسرائيل، سيسهل هزيمة ترامب في أمريكا.

الأوروبيون يرغبون في التخلص من نتانياهو ويفضلون غانتس، وهذا ينطبق على الروس والصينيين.

ولكن بالنسبة لترامب، الصفقة هي نتانياهو، الباقي تفاصيل.