حرق علم أمريكي في طهران.(أرشيف)
حرق علم أمريكي في طهران.(أرشيف)
الجمعة 7 فبراير 2020 / 17:52

أعلام قابلة للاشتعال

حينما يكون الطلب على "الممانعة الشعاراتية الفارغة" في أعلى مستوياته –كما هو حالياً منذ التخلّص من سليماني-، يصل إنتاج المصنع الصغير المتخصص في صناعة الأعلام الإسرائيلية والأميركية والبريطانية إلى 2000 علم في الشهر الواحد. وجميعها معدة للحرق

أعترف بأنه لم يخطر في بالي يوما كيف يوفّر مؤيدو النظام الإيراني كل تلك الأعلام الأمريكية والإسرائيلية بالغة الضخامة، والتي يقومون بمدها على الأرض، و "التمختر" من فوقها جيئة وذهاباً لنصرة القضايا.

فأنا مجرد امرأة بسيطة، ولا يسعفني نصيبي المتواضع من الدهاء أن أطيل التركيز في المعدات والعناصر التي يستخدمها الممثلون أمامي على خشبة المسرح حتى أتساءل عن مصدرها وكلفتها. فحسبي متابعة العرض الشيق، والتصفيق في نهايته.

ولكن الأحداث المتتابعة بلا هوادة على مدار الشهر الماضي في الجمهورية الإسلامية حفّزتني لأن أقرأ التقرير واسع الانتشار حول مصدر جميع هذه الأعلام.

فبداية، كانت هناك حادثة اغتيال قاسم سليماني، وهي التي استدعت –بكل بديهية!- إشعال النيران في أعداد مهولة من الأعلام الأمريكية. ومن ثم جاءت "صفقة القرن" سيئة السمعة، وبحسبة رياضية بسيطة، نجد أن ذلك يساوي إحراق الأعلام الأمريكية والإسرائيلية معاً. وأخيراً، انفجرت ردة الفعل الغاضبة على تصريحات محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، والذي اقترح احتمالية فتح باب المفاوضات مع إدارة دونالد ترامب.

لقد أضرم ظريف لهيب الإهانة في قلوب الإيرانيين المتألمين، والرافضين لمد يد الدبلوماسية نحو قتلة "شهيدهم" سليماني. فبالطبع، كان عليهم أن يردوا بأن يضرموا اللهب في المزيد من الأعلام الأمريكية.

والمنتفع الوحيد –والمحظوظ- من جميع هذه الانتصارات الوهمية هو قاسم غنجاني، وهو مالك مصنع "ديبا بارتشام"، والذي أتخيّل سبابته تقدح الشرار لكثرة عدّها للعملات الورقية في هذا "الموسم" المكتظ بالأحداث السياسية النارية.

فحينما يكون الطلب على "الممانعة الشعاراتية الفارغة" في أعلى مستوياته –كما هو حالياً منذ التخلّص من سليماني-، يصل إنتاج المصنع الصغير المتخصص في صناعة الأعلام الإسرائيلية والأميركية والبريطانية إلى 2000 علم في الشهر الواحد. وجميعها معدة للحرق، دونما شك.

أما في السنة، فينتج المصنع الصغير الواقع في مدينة خمين، جنوب غرب طهران، أكثر من مليون ونصف المليون قدم مربع من "رايات الأعداء". بهدف إهانتها، بالتأكيد.

والأنكى في قائمة المضحكات المبكيات هذه أن الحكومة الإيرانية لم تجد ضيرا من ترخيص إنتاج هذه الأعلام، وبأيدي مواطنيها ومواطناتها، ومن ثم بيعها للراغبين في مواطني الجمهورية الحرة في تدميرها بطبيعة الحال.

ولا أعلم بعد كيف يتم التيقن من نية المشتري في إحراق العلم أو الدعس عليه، وفيما إذا كانت الحكومة الإيرانية تطلب شهوداً وأدلة مصورة على إتلاف المنتج في مهلة أقصاها 24 ساعة من لحظة شرائه. ولكن لا بد وأن لمحور الممانعة طريقته.

حتى يسدل الستار الأخير على هذه المسرحية "البايخة" المستمرة أمام أنظارنا منذ 1979، لن يضرنا بين الفينة والأخرى أن نفغر أفواهنا دهشة وقهقهة من إحدى فصولها الكوميدية، لعل أصوات ضحكاتنا المستهزئة من نظام الولي الفقيه المتهالك تسبق صافرات استهجاننا، وتصل إلى تلك الجماهير المغيّبة في المقاعد الخلفية للمسرح.