السبت 15 فبراير 2020 / 19:22

قطر والدولة العميقة

لا عجب أن فشلت المفاوضات مع قطر، فأمر قطر ليس بيدها. قطر متورطة في علاقة بقوى عالمية تتحكم بمصيرها، قوى تتجاوز التأثير التركي والإيراني معاً، وبالتالي لا جدوى على الإطلاق من التفاوض معها

أعلنت صحيفة الشرق الأوسط منذ أيام فشل المفاوضات بين السعودية وقطر، وذلك بعد أشهر قليلة من اللقاءات بين الجانبين، بدأت في أكتوبر الماضي. وصرّح مسؤول خليجي بأن المفاوضين القطريين كانوا متخبطين ولم يكونوا جادّين في البحث إلى حلول توافقية تعالج جذور الأزمة، بل حاولوا بدلًا من ذلك المراوغة لإطالة أمد المفاوضات. إيقاف الرياض لتلك المفاوضات كان حزماً محموداً أعطى رسالة واضحة للنظام القطري بأن لا نية للسعودية في التنازل عن شروط قطع العلاقات، خصوصاً تلك النقاط التي تتعلق بتهديد الأمن القومي للرباعي العربي.

لا عجب أن فشلت المفاوضات مع قطر، فأمر قطر ليس بيدها. قطر متورطة في علاقة بقوى عالمية تتحكم بمصيرها، قوى تتجاوز التأثير التركي والإيراني معاً، وبالتالي لا جدوى على الإطلاق من التفاوض معها، ولا في دخول الوساطات لإعادة البيت الخليجي كما كان، فقد ذهبت قطر بعيداً هذه المرة.

مفهوم "الدولة العميقة" مفهوم جديد على القاموس السياسي ولذلك لا نجد له أثراً في الموسوعات السياسية الكلاسيكية. إنما تم استخدام المصطلح لأول مرة في التسعينات بغرض الإشارة إلى جهاز دولة غير مرئي نسبياً في تركيا، يتكون من عناصر رفيعة المستوى داخل أجهزة الاستخبارات والجيش والأمن والجهاز القضائي، كما أنه يشير إلى الجريمة المنظمة، وقد تم تفعيل التسمية لأول مرة، عندما تواطأ الجيش التركي مع مهربي المخدرات وقام بافتعال واقعات اعتداء لشن حرب قذرة ضد المتمردين الأكراد.

هناك من يقرر أن مصطلح "الدولة العميقة" من منتجات "نظرية المؤامرة" وبالتالي لا ينبغي أن يعوّل عليه. وهناك رأي ثانٍ يقول به أناس منهم أستاذ القانون في جامعة كاليفورنيا جون مايكلز الذي نفى وجود الدولة العميقة في الولايات المتحدة، ولكنه لم يُنكر وجودها في الدول النامية. يوجد رأي يتعارض بقوة مع رأي مايكلز، نجده عند أستاذ علم السياسة البروفسور جورج فريدمان الذي قرر أن "الدولة العميقة" موجودة منذ عام 1871 وأنها قد عملت ولا زالت تعمل في مجال تحت مجال عمل الحكومة الفيدرالية، وقرر أنها تسيطر على السياسات وتعيد تشكيلها باستمرار. رأي رابع يقول إن الدولة العميقة ليست فقط وكالات الاستخبارات، بل تشير إلى سرّ في مهنية البيروقراطية الحكومية، وإلى مسؤولين يشغلون مناصب قوية ولا يغادرون عندما يغادر الرؤساء، بل يؤثرون في السياسة ويؤثرون على الرؤساء السابقين واللاحقين.

على كل حال، هذا المصطلح يشير إلى وجود قوى مؤثرة من غير الحكومة المنتخبة داخل النظام السياسي، حتى في دول عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. وبرغم رغبة بعض المحللين في توسيع إطار المصطلح، إلا أن الأغلبية ترى أنه يحوم حول الاستخبارات والجيش، كحكومة خفية. وفي 20 مارس 2018 صرّح السناتور راند بول قائلاً "بالتأكيد هناك دولة عميقة لأنه لا يوجد رقابة على الاستخبارات". وفي كتاب "إخفاء الدولة" يقول البروفيسور جيسون رويس ليندسي، إنه حتى بدون وجود جدول أعمال تآمري، فإن مصطلح الدولة العميقة يستمد القوة من بيئة "الأمن القومي" و"المخابرات" وهو عالم تكون فيه السرية هي مصدر قوته المتنامية. منذ 11 سبتمبر صار للاستخبارات الأمريكية قوة لم تكن لها من قبل، بحيث أصبحت فرعاً رابعاً للحكومة الأمريكية، فرع مستقل عن السلطة التنفيذية، بشكل كبير ومتزايد.

في زمن إدارة باراك أوباما، توافقت الدولة الظاهرة مع الدولة العميقة ضد مصالح الدول العربية، وأشعلوا الثورات التي أسقطت أنظمة كانت قائمة: بن علي ومبارك والقذافي، لكن الاسم الأخير أبى أن يغادر المشهد دون أن ينتقم ممن خدعوه. كلنا سمعنا التسجيلات الصوتية التي سرّبها معمر القذافي قبل نهايته، وسمعناه وهو يستدرج رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جبر بن جاسم الذي اعترف في تلك التسجيلات بأنه جلس في لندن مع ضباط استخبارات أمريكيين وبريطانيين وأنه تآمر معهم ض.