دورية تركية-أمريكية في سوريا.(أرشيف)
دورية تركية-أمريكية في سوريا.(أرشيف)
الأحد 16 فبراير 2020 / 20:24

"ضباب الحرب" حتى نهاية الشهر في سوريا..

تهديد أردوغان، ومهلة الأسبوعين تعيد التذكير بحقيقة أن تركيا الأردوغانية التي بدأت مشروع التوسّع في الشرق الأوسط بشعار "صفر مشاكل" تبدو اليوم مَصدراً ومُصدّراً لأزمات كثيرة تنطوي على كثيرة تداعيات لا يصعب وصفها بالكارثية

دارت على الأراضي السورية منذ اندلاع الثورة على النظام، قبل تسع سنوات، سلسلة حروب بالوكالة. وقد أدى تقاطع وتنافر مصالح قوى إقليمية ودولية، انخرطت في الصراع على سوريا، إلى إجهاض الثورة، وتمكين جماعات إرهابية من تشويه مضامينها السياسية والاجتماعية، ونجمت عن هذا كله كارثة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ العالم العربي.

واليوم، بعد أكثر من اشتباك مباشر بالنيران، ينفتح صراع الحرب بالوكالة على احتمال الحرب المفتوحة والشاملة، وفيها من التعقيدات، والحسابات، وسوء النوايا والتقدير، ما يكفي للانتقال من حرب موضعية محدودة إلى حرب إقليمية في الشرق الأوسط.

نشأ هذا الواقع، في الآونة الأخيرة، كما هو معلوم، بعدما تمكن الجيش السوري من تحقيق مكاسب على الأرض في ريف حلب، ومحافظة إدلب. وهذا ما استدعى تهديداً مباشراً من جانب الرئيس التركي أردوغان بشن حرب مفتوحة ما لم يتراجع الجيش إلى مواقعه السابقة قبل نهاية شباط (فبراير) الحالي، بمعنى أن فترة أسبوعين، فقط، هي ما يفصلنا الآن عن احتمال حرب مفتوحة لا تقتصر على جيشي الأسد وأردوغان بل تُنبئ بمجابهة أكبر وأخطر من هذا بكثير.

فالروس، الذين تدخلوا عسكرياً في سوريا، هم أقوى حلفاء دمشق وحُماتها، وقد انقذوها من السقوط قبل خمس سنوات، عندما نزلوا بجنودهم ومعداتهم، وجنّدوا سلاحهم الجوي، لتثبيت أركانها، والدفاع عنه. وهذا يصدق على الإيرانيين، الذين دعموا النظام الأسد عسكرياً ومالياً، إلى جانب الميليشيات الموالية لهم، ولم يكن في مقدور الجيش السوري تحقيق إنجازات عسكرية على الأرض، بما فيها المكاسب الأخيرة في ريف حلب، ومحافظة إدلب، دون مشاركة فاعلة من جانب هذين الحليفين.

وفي المقابل، فإن عضوية تركيا في حلف الناتو تُلزم بقية الدول الأعضاء بالدفاع عنها، وإسنادها في حال اندلاع حرب مفتوحة. وبالنظر إلى العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة، وبلدان الحلف من ناحية، وبين الروس من ناحية ثانية، لأسباب لا تقتصر على الصراع في الشرق الأوسط، فإن في الحرب المفتوحة بين تركيا الأردوغانية ودمشق ما يُنذر بتوسيع نطاق المجابهة العسكرية والأطراف المشاركة فيها.

وما يزيد من تعقيدات المشهد السوري، وعلى الرغم من تصريحات داعمة من جانب الأوروبيين والأمريكيين للرئيس التركي، إلا أن علاقة تركيا الأردوغانية بالحلفاء الأوروبيين والأمريكيين متوترة فعلاً، وربما كانت علاقتها مع الروس، في الوقت الحاضر، أفضل من علاقتها معهم.

وعلى خلفية كهذه من المنطقي التفكير أن مهلة الأسبوعين، التي منحها الرئيس التركي للنظام في دمشق، تخلق موضوعياً ما يُسمى في لغة السياسة والعسكرية ب "ضباب الحرب" أي الفترة التي تسبق الاندلاع الفعلي للأعمال القتالية، وينشأ فيها وضع مثالي للحسابات الخاطئة، وسوء التقدير، والفشل في قراءة النوايا الفعلية للخصم، ناهيك عن ردود الفعل الناجمة عن الخوف أو المبالغة في تقدير القوّة الذاتية والتقليل من قوّة الخصم.

وفي ظل هذا الوضع تبرز أكثر من علامة استفهام كبيرة: هل أردوغان جاد، فعلاً، في التهديد بالحرب المفتوحة، أم يمارس الخداع، والضغط باحتمال الحرب، للحيلولة دون تقدّم الجيش السوري، ووصوله إلى الحدود التركية ـ السورية؟ وهل لديه ضمانات كافية بالحصول على الدعم من جانب حلفائه في الناتو؟ وهل يُقامر، فعلاً، بتخريب العلاقة القائمة مع الروس في الوقت الحاضر؟

الورقة الأهم في يد أردوغان، ناهيك عن قوّته العسكرية، هي ما قد ينجم عن وصول الجيش السوري إلى الحدود التركية من حالات نزوح جماعية للسوريين في اتجاه تركيا، وسماحه لهم بالعبور إلى أوروبا. وهذا سيناريو مُرعب بالنسبة للأوروبيين.

أما مخاوفه فتتمثل في فقدان المناطق الحدودية الآمنة، على الأراضي السورية، التي أنشأها كمأوى للنازحين السوريين، وكذلك تدفّق الميليشيات الإرهابية المتحالفة معه، على تركيا، فهي حليفة له في سوريا، ولكنها مصدر خطر في تركيا نفسها. وقد حاول التقليل من مخاطر هؤلاء بنقل أعداد منهم إلى ليبيا.

وثمة، أيضاً، علامة استفهام كبيرة بشأن روسيا، والنوايا الفعلية لبوتين الذي يملك، فعلياً، الكثير من أوراق اللعبة في سوريا. فهو يدعم دمشق، ولكنه يغض الطرف عن غارات إسرائيلية متكررة على منشآت وأهداف لحزب الله والإيرانيين في سوريا. فهل يسمح لتركيا الأردوغانية بالحفاظ على مناطق نفوذ داخل سوريا؟ وهل يُقامر بالسماح بمجابهة مفتوحة بين تركيا وحليفه السوري رغم أنها تنطوي على احتمال توريطه في الحرب؟

وهذه الأسئلة تصدق، أيضاً، على الأمريكيين، الذين يتواجدون عسكرياً على الأراضي السورية. فهل هم في صدد دعم حرب مفتوحة قد يجدون أنفسهم وقد تورّطوا فيها في وقت تحاول فيه الإدارة الحالية تفادي الانخراط في حروب خارجية، بعد انخراط إدارات سابقة في حروب ذات نتائج كارثية في أفغانستان والعراق؟

يتشكّل "ضباب الحرب" نتيجة وجود علامات استفهام كهذه، وغيرها الكثير مما يخص قوى أقل مركزية في الصراع ولكنها تؤثر فيه وتتأثر به. وإذا كان من المنطقي التفكير في احتمال أن تحاول الأطراف الفاعلة تفادي احتمال الحرب المفتوحة، وتداعياتها المُفزعة، بالسياسة والدبلوماسية، إلا أن تهديد أردوغان، ومهلة الأسبوعين تعيد التذكير بحقيقة أن تركيا الأردوغانية التي بدأت مشروع التوسّع في الشرق الأوسط بشعار "صفر مشاكل" تبدو اليوم مَصدراً ومُصدّراً لأزمات كثيرة تنطوي على كثيرة تداعيات لا يصعب وصفها بالكارثية.