بوابة على الحدود السورية التركية (أرشيف)
بوابة على الحدود السورية التركية (أرشيف)
الثلاثاء 18 فبراير 2020 / 12:29

تركيا... من "الضامن" في سوريا إلى "الغازي" في ليبيا

في مطالعة دورية لخبراء حول قضايا سياسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومسائل الأمن، قال جوزيف ضاهر الأستاذ في جامعة لوزان، للصحافي مايكل يونغ في موقع كارنيغي للشرق الأوسط، إن تركيا التي أرسلت تعزيزات عسكرية إلى محافظة إدلب، وهددت الجيش السوري بأن "كل الخيارات مطروحة على الطاولة"، تواجه وضعاً صعباً، إذ تريد الحيلولة دون تدفق جديد للاجئين من إدلب إلى أراضيها.

تجد تركيا نفسها أمام معضلة: فهي تريد أن تتفادى، مهما كلّف الأمر، وقوع كارثة إنسانية على حدودها الجنوبية الغربية، لكنها في الوقت نفسه لا ترغب في تدمير علاقتها مع روسيا

وقال أن الجيش التركي سيحقق على الأرجح تفوقاً عسكرياً واضحاً في أي مواجهة واسعة النطاق مع الجيش السوري، لكن أنقرة لا تريد تأجيج التوتر، أو وضع علاقتها مع روسيا على المحك. فموسكو هي الطرف الوحيد القادر على تقويض الخطوات السورية المحتملة ضد المصالح التركية في أي وقت.

وتريد تركيا أيضاً الحفاظ على علاقتها الوثيقة مع روسيا، بسبب العزلة الدولية التي تعاني منها، خاصةً عزلتها عن قوى الغرب والشرق الأوسط، بسبب مغامرتها في ليبيا، ومنافستها على الطاقة والموارد الهيدروكربونية في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط.

هم أنقرة الأول
دشن الرئيسان التركي والروسي في وقت سابق من هذا العام أنبوب الغاز "توركستريم"، الذي سينقل الغاز الطبيعي الروسي إلى جنوب أوروبا عبر تركيا، الأمر الذي يؤكد أن هم أنقرة الأول، هو الحفاظ على علاقتها مع موسكو.

وأوضح يونغ أن القوات السورية، المدعومة روسياً، استعادت السيطرة على مدينة سراقب التي تكتسب أهمية استراتيجية، لأنها تشكل نقطة التقاء بين الطريقين الدوليين المعروفين بـ إم 4 وإم 5 اللذين يربطان حلب بالعاصمة دمشق واللاذقية.

والسيناريو الذي سيفضي إليه ذلك على الأغلب هو التوصل إلى نوع من هدنة تتفاوض عليها تركيا وروسيا. ثم ستنتظر القوات السورية أسابيع عدة، وربما أشهراً، قبل شنّ هجوم جديد على إدلب، بدعم روسي.

ورأى الكاتب أنه نظراً إلى تراجع النفوذ التركي بعدما استعادت القوات السورية سيطرتها على مناطق جديدة في إدلب، تفسر الدعوات التركية لإبرام اتفاق سوتشي جديد مع روسيا وإيران، إلى حدٍ ما، والخيارات المحدودة المُتاحة أمام أنقرة في سوريا.

لقاء الساعات الثلاث
"لا اتفاق مع الجانب الروسي حول إدلب"، هذا ما قاله وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لمن كانوا يأملون بعض النتائج الملموسة من اللقاء الروسي التركي الذي استغرق ثلاث ساعات، وكان يفترض أن يُحيي المسار السياسي المتعثر.

ولكن لِمَ يتوقع أحد وقف العمل العسكري للجيش السوري عند هذا الحد، والتوقف عن قضم المزيد من الأراضي في إدلب، إذا كان الرئيس رجب طيب أردوغان نفسه أمهل الجيش السوري حتى نهاية فبراير (شباط) الجاري للانسحاب إلى ما قبل حدود خفض التصعيد؟

من ضامن إلى غازٍ
وقالت الصحافية بيسان الشيخ، صحيحٌ أن أردوغان توعد القوات السورية بـ "تكفّل الجيش التركي بإجبارها على الانسحاب"، وأن "القوات التركية الجوية والبرية ستتحرك في كل مناطق عملياتنا في إدلب، اذا اقتضت الحاجة"، لكن الكاتب يلفت إلى أنه عملياً لم يحدث شيء من هذا. لا بل مُنعت الفصائل السورية المدعومة تركياً من القتال أو مؤازرة لاقرى والبلدات التي حاولت مقاومة تقدم الجيش.

ومن سخرية القدر، تزامن ذلك مع مع إعلان أنقرة إرسال مقاتلين سوريين إلى ليبيا، ما يعزز فرضية تخلي تركيا عن دور "الضامن" في سوريا لدور "الغازي" في ليبيا.

فمحافظة إدلب، التي كانت ذات يوم ورقة تفاوض قوية في يد أنقرة، استنفدت صلاحيتها، وأصبحت اليوم عبئاً هائلاً على من تكون إدارتها من نصيبه، ولا مصلحة لتركيا فيا إلا في نطاق شريط حدودي تُبقي فيه النازحين داخلياً البالغ عددهم 1.7 مليون شخص، وربما تعيد استخدامهم في معارك تفاوضية لاحقة.

ولفت أسعد العشي، المدير التنفيذي لمؤسسة "بيتنا سوريا" إلى أن من الصعب معرفة إلى أي درجة قد تكون تركيا مستعدة للانخراط في إدلب، فهي أقدمت في الشهر الماضي على نشر أكثر من 5 آلاف جندي في المحافظة.

ومع ذلك، كان ردها على مقتل جنودها في قصف مدفعي لقوات النظام خجولاً. لم تتوقف المفاوضات مع روسيا لكنها فشلت حتى الآن في تحقيق وقف دائم لأعمال العنف. وبالتالي، تجد تركيا نفسها أمام معضلة، فهي تريد مهما كلف الأمر، تفادي كارثة إنسانية على حدودها الجنوبية الغربية، لكنها في الوقت نفسه لا ترغب في تدمير علاقتها مع روسيا. ومن الصعب للغاية تخيل ما يمكن أن تكون تركيا مستعدّة للقيام به في إدلب دون دعم واضح من حلف شمال الأطلسي الناتو.

مصالح استراتيجية
فمصالحها الإستراتيجية تصب في أماكن أخرى، خاصةً في شمال شرق سوريا، أين تسعى إلى منع أي تقدم لوحدات حماية الشعب، فرع من حزب العمال الكردستاني، العدو اللدود لتركيا، وأخطر تهديد لأمنها الوطني.

ولكن، إذا قرر حلف الناتو مواجهة الهجوم السوري والروسي في إدلب، ستكون تركيا على استعداد لإنشاء "منطقة آمنة" هناك لحماية المدنيين وتجنب موجة لجوء إلى جنوبها. 

حرب مقدسة
واعتبر خضر خضور، الباحث غير المقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، أن إدلب باتت جبهة مركزية في الحرب السورية. فهي تضم مجموعات متطرفة تعتقد أنها تخوض حرباً مقدسة، فضلاً عن المتمردين الذين تركز أجنداتهم المحلية على حماية أراضيهم ومجتمعاتهم.

ومن جهة أخرى، تبقى المنطقة عند مجموعات الإغاثة الدولية والسكان المحليين، المعقل الأخير غير الخاضع إلى سيطرة نظام الأسد.

وفي الوقت نفسه، تعتبر تركيا إدلب منطقة حدودية نوعاً ما. فبعد المحاولات العسكرية للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، على أنقرة تغيير مسار عملها بعد التدخّل العسكري الروسي في 2015. وعقب إدراكها حقيقة الوجود الروسي الحالي على الحدود التركية مع سوريا، عدلت النهج الذي تعتمده والذي بات يركز بالدرجة الأولى على حماية الحدود.

والآن سيربط الجيش السوري، بدعم روسي وقبول تركي، المناطق الحضرية في شمال غرب سوريا، أي معرة النعمان، وسراقب، ومدينة إدلب، وجسر الشغور، بالمناطق الساحلية، والجنوب السوري.

وبذلك، يكون حديث تركيا عن "منطقة آمنة" على طول 30 كيلومتراً داخل سوريا قد بات واقعاً. لكن بدل أن تكون منطقة آمنة، فإنها ستكون في الواقع عند تركيا امتداد للمنطقة الحدودية.