الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وسط سكان حي شعبي في ميلوز (أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وسط سكان حي شعبي في ميلوز (أ)
الأربعاء 19 فبراير 2020 / 14:57

ماكرون يُعلن الحرب على التدخلات التركية في فرنسا

أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حرباً شرسة ضد أذرع النفوذ التركي في بلاده، والتي يتوزع نشاطها بين قطاعات عدة تمتد من التعليم، إلى المخابرات، وصولاً إلى المساجد.

وتمثلت أحدث حلقات هذا الصراع، في زيارة ماكرون أمس الثلاثاء لمدينة ميلوز شمال شرق فرنسا التي تحتضن جالية تركية كبرى، لإعلان خطته الجديدة ضد دعاة الطائفية، والتفرقة الدينية والعرقية في المجتمع الفرنسي، واعتزامه تشديد الحرب على "الانعزالية والتشدد الإسلامي".




حرب على التشدد
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن "الانعزالية هي العدو ولا تتوافق مع الحرية، والمساواة ووحدة الأمة"، مضيفاً "لا يمكن باسم دين ما القبول بمخالفة القوانين، ولا يمكن أن تكون لدينا قوانين تركية على الأراضي الفرنسية".

وأوضح الرئيس الفرنسي أن باريس ستتخلص تدريجياً من الأئمة الأجانب الذين توفدهم دول أجنبية، خاصةً تركيا، للإشراف على الشؤون الدينية على المسلمين في فرنسا، خاصةً في شهر رمضان من كل عام، لتتولى بنفسها تأهيل وتدريب أئمة فرنسيين، يكون ولاؤهم الأول والأخير لبلادهم، إلى جانب تعلقهم بالقيم السامية الدينية والأخلاقية، التي تؤمن بالتعايش والاندماج، لا كما "الإسلام التركي"، القائم على القطيعة مع المجتمع والصدام.

وأردف ماكرون قائلاً: "لن أسمح لأي دولة أياً كانت بتغذية الشقاق، لا يمكن أن تجد القانون التركي مطبقاً على تراب فرنسي، هذا لا يمكن أن يحدث".

ويرى عدد من المراقبين أن التحرك الفرنسي الرسمي، يستهدف الأذرع التركية ومحاولاتها المتزايدة لفرض رؤيتها الدينية على المجتمع الفرنسي، بدعوى الحضور القوي للجالية التركية في ميلوز.




ورقة ضغط 
وحسب تقرير لموقع "سلايت" الإخباري الفرنسي، لم يعد ماكرون يخفي انزعاجه من تأثير التيار التركي المناهض للقيم المدنية الفرنسية، مشيراً إلى أن فرنسا شهدت في الأعوام الماضية سعياً متزايداً من أنقرة للسيطرة على جاليتها في البلاد، عبر فرض أفكار قومية ودينية متطرفة.

وقال مسؤول فرنسي طلب حجب هويته للموقع، إن "أنقرة تحاول أن تجعل جاليتها في عموم أوروبا  ورقة ضغط في يد نظام الرئيس رجب طيب أردوغان"، مشيراً إلى أن أردوغان يرى فيها سلاحاً سياسياً يمكنه التأثير على الانتخابات الفرنسية.

ولفت الموقع إلى أن أذرع أنقرة تشمل المدرسين، والأئمة الأتراك، ومجموعات أخرى غير رسمية تفتح عشرات المدارس التركية على الأراضي الفرنسية دون ترخيص، وذلك برعاية من أنقرة لتعميق السيطرة على أفراد الجالية التركية.



سيطرة تركية
وحسب الموقع، تضم فرنسا حالياً أكثر من 200 معلم للغة التركية أرسلتهم أنقرة لتعليم أبناء الجالية وفق اتفاقية قديمة مع فرنسا، وينطبق الأمر كذلك على الأئمة والعاملين في القطاع الديني المبتعثين من تركيا، الذين كشفت التقارير الأمنية تورط عدد كبير منهم في التجسس على الجالية، وفي  الترويج للأفكار الدينية والقومية، في إطار استراتيجية تركية متكاملة حسب الموقع، تتجاوز فرنسا، لتشمل كل دول أوروبا.

وتوجد في فرنسا  5 مدارس تركية، وعشرات المشاريع الاجتماعية والإنسانية، التي تدار مباشرة من أنقرة، أو عبر ذراعها  "الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية في فرنسا" Ditib، وحركة Millî Görüs، ورابطة COJEP-UED، والأخُوة الدينية السليمانية، والمنزيلي، والنقشبندية، وجميعها حركات ومنظمات سياسية دينية تركية، تعمل على تنفيذ أجندات سياسية في فرنسا، وأوروبا، منفردةً أو بالتعاون مع المنظمات الإخوانية المعروفة في فرنسا وفي دول أوروبا الأخرى.

وحسب الباحث التركي أحمد إردي أوزتورك، فإن أنقرة أنشأت "جهاز دولة عابرة للحدود الوطنية" تحت غطاء التواصل مع المغتربين الأتراك، لتنفيذ أجندة السياسية في الخارج، وتشكيل شبكة لمراقبة أعداء تركيا.



تحركات ماكرون
وبدوره، قال المحلل والباحث الفرنسي ألكساندر ديل فال، إن "ماكرون يريد إسلاماً فرنسياً جديداً ومعتدلاً، قائماً على الفصل بين السياسة، والدين، ويريد حظر أفكار الإخوان المسلمين ومساجد السلفيين، والأئمة الأجانب".

وأضاف أن "ماكرون يريد إنشاء جمعية وطنية إسلامية جديدة، والتوقف عن السماح لقطر ودول أخرى بتمويل الإسلام الفرنسي"، وتابع "كان ماكرون محقاً عندما قال إن الجمهورية الفرنسية لا يمكنها قبول مثل هذا التطرف".

وأشاد الباحث بتحركات الرئيس الفرنسي، الذي ألقى اللوم خلال خطابه على قطر ونشاط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في استخدام الجالية المسلمة الفرنسية، لتحقيق أغراضها والأيديولوجيا الإخوانية وتمويل بعض المؤسسات في فرنسا.

وأوضح مراقبون للشأن الفرنسي، أن تحركات ماكرون تشير إلى أن جماعة الإخوان ستدخل منعرجاً خطيراً في فرنسا وفي أوروبا أيضاً، بعد تنامي الوعي بخطورتها ومشاريعها، كما تعكسه تصريحات الرئيس الفرنسي، وقراراته الحازمة.

وأشاروا إلى أن مجهودات ماكرون، تندرج في إطار خطوات أكبر وأوسع ومنسقة في أوروبا، للتعامل مع الجاليات المسلمة، سواءً كانت محلية، أو وافدة مع الهجرة، لتخليصها من براثن الإخوان والتنظيمات الإرهابية الأخرى، وتحصينها ضد المناورات السياسية والأيديولوجية التي لم يعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتحرج منها، ومنع انزلاقها في التطرف العنيف، والعمليات الإرهابية، وهي التي تعرضت لهجمات دموية على يد مسلمين متطرفين، أغلبهم من أبنائها ومن حملة جنسيتها.

يذكر أن زيارة الرئيس الفرنسي إلى مولوز تدخل في إطار جولة وطنية تستمر عدة أسابيع، وتمتد إلى ما بعد الانتخابات البلدية في 22 مارس(أذار) المقبل‬، والتي تشكل قضايا الهجرة والتطرف والإسلام، محاور رئيسية فيها، ما يعكس حرص ماكرون على اعتماد استراتيجية فرنسية رسمية جديدة لمواجهة التطرف والتشدد الإسلامي.