مصلون في مسجد فرنسي (أرشيف)
مصلون في مسجد فرنسي (أرشيف)
الأربعاء 19 فبراير 2020 / 17:20

بعد زيارته لميلوز.. ماكرون "يتجرأ" ويُهدد بوقف تمويل قطر للإخوان في فرنسا وأوروبا

يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى ردع التطرف الإسلامي الذي زعزع أمن واستقرار بلاده، فألقى خطاباً حازماً أمس الثلاثاء عند زيارته مدينة مولوز في شمال شرق البلاد، التي تعد معقلاً رئيسياً لتنظيم الإخوان الإرهابي، ومموليه.

وقال ماكرون في خطابه إنه سيفرض رقابة أكبر على الأئمة الأجانب وتمويل دول أجنبية للمساجد في البلاد، مشدداً على أنه سيمنع الأئمة القادمين من دول إسلامية الذين يحصلون على أموال من تلك الدول، قاصداً قطر، وتركيا.

وأكد الرئيس الفرنسي في خطابه أنه سيحارب النفوذ الأجنبي وداعمي التنظيمات الإسلامية المتطرفة، وسيمنع كل أشكال "الانفصال" الإسلامي، عن المجتمع الفرنسي، وذلك قبل أقل من شهر من موعد الانتخابات البلدية في 15 مارس (آذار) المقبل.


معقل الإخوان
ولم تكن كلمة ماكرون وخطابه القاسي في مدينة مولوز، من باب الصدفة، خاصةً أنه كان في حي بورتزفيل الشعبي، الذي يتكدس فيه 15 ألف شخص، وأحد أخطر 47 حياً في فرنسا، تسعى الحكومة لاستعادته من العصابات الإجرامية والإسلام المتطرف، وأحد الأحياء الـ 17 في فرنسا التي انتشر فيها التشدد الإسلامي والنزعة الطائفية.

وفي ميلوز أيضاً يقع مشروع مسجد النور الكبير، أكبر مسجد قيد الإنشاء في فرنسا منذ 2009، والذي تمول قطر إنشاءه، وتديره جمعية مسلمو فرنسا، الموالية لتنظيم الإخوان في فرنسا، والذي يضم مجمعاً ثقافياً وسياسياً ودينياً.

وطبقت شهرة النور الكبير الأفاق في فرنسا، بعد أن كشف الصحافيان الفرنسيان جورج مالبرونو، وكريستيان شينوت معلومات أثارت ضجة كبرى، عن تمويل قطر ومنظماتها للإخوان في أوروبا وفرنسا تحديداً، في كتابهما الصادر في أبريل (نيسان) الماضي، بعنوان "أوراق قطر" على غرار فضيحة أوراق بنما، التي تفجرت قبل عامين.

وتؤكد مصادر فرنسية وتقارير مختلفة، أن كلمة ماكرون، أمس الثلاثاء، وتهديده المبطن لقطر، والعلني لتركيا، يكشف خطاباً جديداً في فرنسا، يقطع مع المجاملة السابقة التي ميزت العلاقة بين الجانبين، خاصةً في ملف الإرهاب وتمويله، والترويج له، ورعايته.
خبايا قطرية
وكشف الكتاب مصادر تمويل الإسلام المتطرف في فرنسا، ودور قطر في وضع ميزانية بـ 28 مليون يورو لتمويل تنظيمات وجمعيات ومساجد في أوروبا، نصفها في فرنسا، عبر "قطر الخيرية"، المتورطة في قضايا فساد وتمويل الإرهاب في 6 دول أوروبية، و12 مدينة فرنسية.

وحسب الوثائق والمعطيات التي تمكن الصحافيان من جمعها، أمكن رصد ومتابعة حركة 71 مليون يورو، منذ 2014 ضختها الدوحة عبر منظمتها "الخيرية"، لدعم مراكز، ومدارس، ومساجد، جميعها خاضعة لمنظمات إسلامية من شبكة تنظيم الإخوان.


وعمدت المنظمة إلى تمويل 113 مشروعاً في مختلف المناطق، فقط من أجل "خلق ثقافة مضادة داخل المجتمعات المسلمة في أوروبا، وتعزيز فصلها عن دولها، في إطار مشروع سياسي ورؤية خاصة بالإخوان ضماناً لهيمنة عالمية للمشروع الإسلامي الإخواني"، وفق الكتاب.

ومنذ اعتداءات نوفمبر(تشرين الثاني) 2015، فرضت السلطات الفرنسية  إجراءات لتطهير المجتمع الفرنسي من التطرف الإسلامي، وأغلقت أكثر من 20 مسجداً وقاعة صلاة، بعد أن تبين تورطها في الترويج للإرهاب والعنف، ومناهضة قيم المجتمع والجمهورية في فرنسا، برعاية منظمة قطر الخيرية.

الثنائي كرموس
ومن الشخصيات التي ذكرها كتاب "أوراق قطر"، محمد ونادية كرمو اللّذين حظيا بدعم لا محدود من مؤسسة قطر الخيرية بعد أن حصلا على الجنسية السوسرية، لتمثيل تنظيم الإخوان في سويسرا، خاصةً المناطق الناطقة بالفرنسية، إلى جانب فرنسا نفسها.

وخصصت "قطر الخيرية" 3.6 ملايين يورو على شكل مساعدات لتمويل مشاريع بإدارة الثنائي كرموس، ومن ضمنها معهد "شاتو شينون" في فرنسا "لتأهيل الأئمة".

ويُذكر أن السلطات الفرنسية قبضت في2007 على أمين المعهد، محمد كرموس في القطار بين سويسرا وفرنسا، ومعه 50 ألف يورو نقداً.وتعتبر المخابرات الفرنسية كرموس من أبرز قيادات الإخوان في أوروبا، وفي سويسرا وفرنسا.

ويعد معهد شاتو شينون، كما ذكرت المديرية المركزية للاستخبارات العامة الفرنسية، "أولوية للتنظيم العابر للحدود الوطنية لجماعة الإخوان التي تضاعف بدورها هذه التمويلات الأجنبية أضعافاً مضاعفة لتجعل هذا المركز قوّة موجهة نحو التطرف الحديث".

وبعد زيارة الصحافيين لمتحف الحضارات اكتشفا "مساهمة بـ 1.4 مليون من مؤسسة قطر الخيرية لدعم نشر وترويج أعمال حسن البنا، ويوسف القرضاوي، وطارق رمضان وسيد قطب أحد دعاة التطرف المعاصرين"، وفق الكتاب.


وإضافة إلى ذلك، أسس الثنائي كرموس المعهد الثقافي الإسلامي في سويسرا "ICMS" الذي يشرف على المتحف بالإضافة إلى العديد من المنظمات الإسلامية التي تتوافق أهدافها مع مؤسسة قطر الخيرية، أما رابطة مسلمي سويسرا ومقرها في المركز الثقافي لمسلمي لوزان في بريلي، فتعد الأكبر في مقاطعة فود، ويرأسها كرموس، الذي تمكن من الحصول على 1.6 مليون فرنك من مؤسسة قطر الخيرية لتمويله.

جرأة ماركون
ويقول مراقبون وفق وكالة فرانس برس إن في إقدام الرئيس الفرنسي على إعادة هيكلة الإسلام في فرنسا جرأة وشجاعة، معتبرة أن ماكرون محق في استبعاد الهيئات الممثلة للإسلام في فرنسا من الاستشارات.

وكان الأئمة في فرنسا يخوضون دورات تدريبية في مركزين اثنين، تابعين لاتحاد المنظمات الإسلامية الفرنسية، واجها الكثير من الانتقادات، وتسعى السلطات الفرنسية لإخضاعهم لتدريب يجمع بين الديني والأكاديمي يمكن الإمام في آخر الدورة التدريبية من الحصول على شهادة.

ويكون الإمام المتدرب ملزماً عند تخرجه بتوقيع ميثاق، يلتزم بمقتضاه باحترام القيم الفرنسية في خطابه الديني، الذي يجب أن يكون "خطاب انفتاح وتسامح واعتدال".