لقطة من الفيلم الكوري "طفيلي"  2019.(أرشيف)
لقطة من الفيلم الكوري "طفيلي" 2019.(أرشيف)
الأربعاء 19 فبراير 2020 / 20:48

فقراء وأغنياء

المدهش في فيلم "طفيلي"، أن أسرة رجل الأعمال، خالتْ عليها كل ألاعيب وحيل أسرة كيم، واصطدمتْ فقط بالرائحة، التي كاد معناها في الفيلم، أن يصل إلى حد العنصرية الباردة المُحْتقِرة

قبل الحديث عن فيلم كوريا الجنوبية Parasite، أو "طفيلي"، للمخرج بونغ جون هو، الذي حصد جائزة أفضل فيلم أجنبي، وأفضل فيلم "الجائزة الكبرى"، وأفضل مخرج، وأفضل سيناريو، لا نستطيع تجاوز السؤال، وهو لماذا كانت هوليوود أكثر من راضية عن الفيلم في حفل جوائز الأوسكار 2020؟
الإجابة تأتي من معنى الفيلم، فالطفيلية سمة أسرة شديدة الفقر، تخترق حياة أسرة شديدة الغنى. إن المؤامرات الدرامية المُدبَّرة، وهي مؤامرات كوميدية سوداء، من قِبَل الأسرة الفقيرة، ضد الأسرة الغنية، تتشعب، وتنتهي إلى سرقة يائسة، لمتعة الحضور في بيت الأسرة الغنية، أي تنتهي إلى شيء أقل من حدة الإيحاء، بأننا ذاهبون إلى نقدٍ أكثر إحراجاً للرأسمالية الفائقة. 

يبدأ فيلم "طفيلي" بداية قوية، الابن كي وو يفقد إشارة الواي فاي المجانية على هاتفه المحمول. يقول لشقيقته كي جونغ إن سيدة الطابق الأعلى غيّرت الرقم السري للراوتر. تقترح شقيقته إدخال الأرقام من 1 إلى 9 بالعكس. الأم تسأل عن فعالية وصول رسائل الواتساب. يجيب الابن: للأسف لا. يقترح الوالد كيم على ابنه، أن يرفع هاتفه المحمول قرب شقوق السقف، ويسير به إلى أن يلتقط الإشارة.

وهنا يستعرض المخرج، ببراعة، تصميم القبو الضيق، المنخفض، الذي تعيش فيه أسرة كيم. فمن خلال نافذة القبو، نستشعر بصرياً أن الشارع في الخارج مرتفع عن أرض القبو في الداخل. أسرة كيم ترى الأجسام في الخارج، عبر نافذة القبو، من أسفل إلى أعلى.

ينطلق الابن والابنة في رحلة التقاطهما إشارة الواي فاي داخل القبو، وهي رحلة قصيرة جداً، إلى قاعدة حمّام مرتفعة على مصطبة مغطاة ببلاط القيشاني الأبيض. يصعد كي وو وشقيقته ثلاث درجات صغيرة، لمصطبة قاعدة الحمّام. الصعود هنا يُشبه الصعود إلى عُليَّة كتب قديمة، صعود يشوبه الفرحة. التقط كي وو وشقيقته إشارة الواي فاي.

غرابة مكان قاعدة الحمّام، هي صرْعة جمالية سوريالية، لا يصمد في وجهها أحد. بتعبير دارج، المخرج بونغ جون هو، ذبح القطة للجان التحكيم، وللمشاهدين معاً، ولن تقوم قائمة لنقدهم طوال الفيلم. على سبيل المثال، احتمال النقد المُوجَّه إلى الصبغة الميلودرامية في النصف الثاني من فيلم "طفيلي"، والتي أضعفتْ روح الكوميديا السوداء في الفيلم بشكل عام.

أسرة كيم داخل تعمل في البيت على تطبيق، وتجسيم كرتون، علب البيتزا. لمحة ذكية لتقسيم العمل، المتناهي الصغر، في الدول الصناعية الكبرى. يقفز إلى الذاكرة شارلي شابلن في فيلم "عصور حديثة" 1936، وهو يبرم بمفاتحين، صمولتين تمران أمامه على سير كهربائي، إلا أن أسرة كيم لا تؤدي عملها بمهارة شابلن، فكثير من الثنيات في علب البيتزا، لا تستقر في مكانها، أيضاً تبدو الخطوط المستقيمة للعلبة زائغة عن مكانها الصحيح.

أسرة كيم لا تؤمن أن العمل الماهر وحده، كفيل برفع مستوى المعيشة، لا تؤمن بقيمة العمل كما عند شابلن في فيلم "عصور حديثة"، وربما لهذا السبب شابلن مكروه في هوليوود. أسرة كيم تعتقد أن العمل لا بد أن يُصاحبه، قدر من الاحتيال، قدر من الانتهازية، قدر من الطفيلية، قدر من التقاط الفرص، كما تلتقط أسرة كيم إشارة الواي فاي دون وجه حق.

أحد أصدقاء كي وو يعرض عليه تدريس اللغة الإنجليزية لابنة رجل أعمال ثري. لا يكتفي كي وو بتوصية زميله، مع أنها كافية، فتزوِّر له شقيقته كي جونغ، العارفة بخدع الفوتوشوب، شهادةً جامعية، وبحيل مشابهة، تحتل الأسرة الفقيرة، بيت رجل الأعمال الثري، كاسحة من طريقها مهنة سائق رجل الأعمال، التي أصبحتْ للأب كيم، ومهنة مُدبرة المنزل، التي أصبحت لزوجة كيم، كما تصبح كي جونغ مدرسة الفنون لداسونغ الصغير، ابن رجل الأعمال.

البيت الفاخر لرجل الأعمال دونغ إيك، بمثابة الفردوس لأسرة كيم. وعلى الرغم من الأجور المرتفعة التي تتقاضها أسرة كيم من رجل الأعمال، دون معرفته بأنهم أسرة واحدة، إلا أن متعة تواجد أسرة كيم معاً في البيت الفسيح المودرن، المحاط بالأشجار، حلم جامح.

يتشمم داسونغ الصغير، رائحة غريبة، إنها رائحة واحدة، تنبعث من السائق كيم، ومن مُدبرة المنزل الجديدة، ومن المعلمة كي جونغ. أسرة كيم تبحث أمر الرائحة، هل يستخدمون أنواعاً مختلفة من الصابون؟ أم أن رائحة القبو هي السبب؟ يحاول رجل الأعمال وصف الرائحة التي تنبعث من السائق كيم، بأنها مثل رائحة الفجل، أو القماش المغلي، وقد تنبعث أحياناً تلك الرائحة في مترو الأنفاق.

المدهش في فيلم "طفيلي"، أن أسرة رجل الأعمال، خالتْ عليها كل ألاعيب وحيل أسرة كيم، واصطدمتْ فقط بالرائحة، التي كاد معناها في الفيلم، أن يصل إلى حد العنصرية الباردة المُحْتقِرة. نجد في أدب المستعمرات ملاحظات احتقار شبيهة بملاحظة الرائحة، عند روديارد كيبلينغ، أو إي. إم فورستر في رواية "ممر إلى الهند".

أثناء تخييم عائلة دونغ إيك في الغابة، تستمتع عائلة كيم بالمشروبات الروحية الفاخرة، ويحلم كيم بزواج ابنه كي وو بداهاي ابنة رجل الأعمال، المعجبة بكي وو. يقول كيم بأن زوجة رجل الأعمال لطيفة، وساذجة، فترد زوجته عليه، بأنها لو كانت تملك مال زوجة رجل الأعمال، لكان اللطف من نصيبها تلقائياً.
في رأي كيم، الأثرياء ساذجون، لا يستاؤون، ولهذا لا تظهر على ملامحهم التجاعيد. تُعقِّب زوجة كيم، بأن المال مثل المكواة، يكوي التجاعيد، فتصبح ملساء، ناعمة. وكأنّ استعارة التجاعيد، تعني أيضاً، بتأويل مفرط، أن الأثرياء لم تُخْتَبَر بعد أخلاقهم الطفيلية، فهي كامنة، طالما أن المال هو الضامن، والحارس، لعدم الاختبار.

يقال في السينما إن زمن النصف الثاني من الفيلم، أصعب على المخرج من زمن النصف الأول، ولهذا اتجه المخرج الكوري بونغ جون هو إلى الميلودراما. تعود في الليل فجأةً، مُدبرة المنزل القديمة، وتطلب من مُدبرة المنزل الجديدة، الدخول من أجل شيء ما في قبو المنزل.

نكتشف أن مُدبرة المنزل القديمة، ضليعة في الطفيلية، فهي تخبئ زوجها في قبو تحت مطبخ المنزل، وهو يعيش بشكل دائم داخل القبو منذ أربعة أعوام. يضطر المخرج للشروح الضعيفة درامياً، عن أسباب وجود الزوج داخل القبو، وتعثره في تسديد قرض بنكي، وتصميم القبو خوفاً من حرب مع كوريا الشمالية.

تستطيع عائلة كيم، بعد شجار يُشبه شجار المخدات بين طالبات في مدينة جامعية، تقييد مُدبرة المنزل القديمة، وزوجها في قاع القبو. وفي نفس الوقت تعود عائلة رجل الأعمال، قاطعةً مدة التخييم، بسبب أحوال المناخ. تسلل عائلة كيم من المنزل دون افتضاح أمرها.

المخرج بونغ جون هو، يُصعِّد الفواجع الميلودرامية. تنظم عائلة رجل الأعمال، حفلة نهارية في حديقة المنزل، وعائلة كيم التي تعمل عند عائلة رجل الأعمال، بعد عسر درامي، حاضرة في الحفلة. زوج مُدبرة المنزل القديمة، يهرب من القبو، ويقتل كي جونغ ابنة كيم، بينما تقتل مُدبرة المنزل الجديدة، زوج مُدبرة المنزل القديمة، وأخيراً يقتل كيم رجل الأعمال.

يختفي كيم. المخرج بونغ جون هو، في أقصى حالات الهذيان الميلودرامي. أين كيم؟ إنه تسلل بعد قتل رجل الأعمال إلى قبو المنزل. يعود كي وو لمراقبة المنزل الآهل بناس جدد. يكتشف كي وو أن والده يبعث له رسائل ضوئية بشفرة موريس، من داخل قبوه، كما كان يبعث زوج مُدبرة المنزل القديمة، رسائل شكر واحترام، لرجل الأعمال، دون معرفة الأخير بتلك الرسائل.