لاجئون أفغان في طريقهم من إيران إلى هرات الأفغانية (أرشيف)
لاجئون أفغان في طريقهم من إيران إلى هرات الأفغانية (أرشيف)
الخميس 20 فبراير 2020 / 12:28

تحالفات إيران المتحولة في أفغانستان خدمت أحياناً أهداف واشنطن

أفاد الباحثان محمد هارون أرسلاي وويل باتريك في تقرير بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن اغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في الشهر الماضي، أثار موجة نقاشات داخل الولايات المتحدة حول السياسة الخارجية الإيرانية، إذ يعتبر اليساريون والتقدميون، إيران دولة "معادية للإمبريالية" تقاوم النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، بينما يرى اليمينيون أن إيران جزء من محور الشر.

تحالفات طهران المتغيرة في أفغانستان تعكس براغماتية ومرونة السياسة الخارجية التي تستخدم كل السبل الممكنة من أجل ضمان استمرارية المشروع السياسي

ووصف الكاتبان سياسة طهران الخارجية بـ "انتهازية وبراغماتية"، ولا تتوافق دوماً مع وجهات نظر اليساريين واليمينيين الأمريكيين، خاصة فيما يتعلق بأفغانستان التي لعب فيها الجنرال سليماني دوراً محورياً.

براغماتية السياسة الخارجية
ويُشير التقرير إلى أن تحالفات طهران المتغيرة في أفغانستان تعكس براغماتية، ومرونة السياسة الخارجية التي تستخدم كل السبل الممكنة لضمان استمرارية المشروع السياسي لنظام الملالي في طهران، وتحقيق طموحاته التوسعية في المنطقة.

ويوضح الباحثان أن لإيران علاقات وثيقة في أفغانستان مع مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة غير الحكومية، بما فيها حركة طالبان.
  
وفي أواخر السبعينات كان وضع الاتحاد السوفيتي في آسيا قاتماً، ونجحت الثورة في الإطاحة بنظام الشاه رضا بهلوي في إيران، وحل محله نظام الملالي، كما أطاح الجنرال محمد ضياء الحق بالحكومة اليسارية العلمانية في باكستان، وتشكلت ديكتاتورية عسكرية إسلامية.

وفي انقلاب مفاجئ وصل حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني المدعوم من موسكو إلى السلطة، وكان يكافح لكبح على الثورات في جميع أنحاء البلاد والفصائل الداخلية. وفي ديسمب (كانون الأول) 1979، اختار المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي التدخل في أفغانستان لدعم حكومة حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني المتعثرة، خوفاً من تحول أفغانستان إلى جمهورية إسلامية أخرى.

تمويل المجاهدين
وبعد الغزو السوفيتي توحدت قطاعات المجتمع وفصائل المقاومة الإسلامية الأفغانية المتصدعة، في حركة المجاهدين المسلحة مع دعوات للجهاد ضد الاحتلال الأجنبي.

 ومولت إيران "المجاهدين الشيعة" في المرتفعات الوسطى بأفغانستان، بينما تعاونت الولايات المتحدة مع باكستان لتمويل "المجاهدين السنة" الذين يديرون مكاتب سياسية في باكستان.

ويضيف تقرير "فورين بوليسي" أنه بمجرد انهيار الاتحاد السوفيتي، توقف تمويل واشنطن، ولكن طهران استمرت في دعم أمراء الحرب السنة والشيعة الناطقين بالفارسية طيلة الحرب الأهلية التي أعقبت ذلك.

وفي 1994، أرغمت حركة طالبان، التي كانت تنمو سريعاً، حلفاء إيران على الابتعاد، وشعرت طهران بالقلق من تمدد الجماعة السنية المسلحة عبر حدودها، ولذلك قاد الجنرال سليماني مبادرة إيران لدعم أمراء الحرب الأفغان الذين يقاتلون طالبان، من طاجيكستان.

ويلفت الباحثان إلى التعاون والتنسيق بين الولايات المتحدة والحرس الثوري الإيراني بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان في 2001، لتأمين اتفاق بون الذي تشكلت بموجبه حكومة حامد قرضاي في أفغانستان.

وأشار العديد من المحللين والشخصيات العسكرية الأفغانية إلى تورط إيران مع حركة طالبان منذ 2007، ولكن ذلك لم يتأكد إلا في 2016 عندما كشف سفير إيران في أفغانستان محمد رضا بهرامي أن لطهران قنوات اتصال مع طالبان، وهو ما أكده أيضاً وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في مطلع 2019.

فرع داعش في خراسان
ويورد التقرير أن هيكل حركة طالبان يضم العديد من مجالس القيادة أو مجالس الشورى، بما فيها  في مقاطعة خراسان رضوى، في إيران، الذي اُفتتح في البداية مكتب اتصال بين طالبان والحرس الثوري الإيراني في 2007، ثم بات مركزاً للقيادة الإقليمية لغرب أفغانستان في 2011.

وتزامن نمو فرع داعش في إقليم خراسان، مع إنشاء الجنرال سليماني "فيلق الأنصار" الذي يشرف على العلاقة بين الحرس الثوري الإيراني وحركة طالبان.

وحسب التقرير أُقيمت أربع قواعد على الأقل في إيران لتدريب مقاتلي طالبان، مقابل تكثيف الهجمات على قوات الناتو بقيادة الولايات المتحدة، وداعش.

ويقول التقرير: "استهدف فرع داعش في إقليم خراسان الأقلية الشيعية بشكل متزايد بعد أن خففت طالبان خطابها العدائي ضد الشيعة في أفغانستان في السنوات الأخيرة. وبالنظر إلى أن إيران تعتبر نفسها حامية المسلمين الشيعية على المستوى الدولي، أتاح هذا التحول الفرصة لطهران لإقامة علاقات وثيقة مع حركة طالبان التي كانت طائفية بشكل كبير في السابق".

صفقة سليماني وطالبان
وتعتبر إيران أن داعش يُشكل تهديداً لوجودها، ولذلك كانت مستعدة للتعامل مع طالبان لمحاربة التنظيم، وهي الصفقة التي أبرمها الجنرال سليماني قبل اغتياله.

وتحسنت علاقات طالبان مع إيران وروسيا، في عهد زعيم طالبان السابق أختر محمد منصور، قبل وفاته، إذ كان يرغب في مواجهة النفوذ الباكستاني.

وحسب الخبير أنطونيو جيوستوزي، ترتبط القوة الشخصية لزعيم طالبان هيبة الله آخونزادة، بالدعم الذي يحصل عليه من إيران وروسيا.

وأبدت إيران استعدادها للاستفادة من هذه الروابط بتفعيل الحوار الداخلي بين الأفعان عندما استضافت طالبان لمناقشة عملية السلام في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

ويلفت التقرير إلى أن إيران بدأت تجند اللاجئين الشيعة الأفغان لمحاربة داعش، باستغلال التزامهم الديني بالجهاد، وأنشأت لواء "فاطميون" الذي استخدمته في الحرب الأهلية السورية.

وعندما رفضت العائلات إرسال شبابها إلى الحرب، استخدمت طهران في التجنيد أساليب تنوعت بين الرشوة، والإكراه، والتهديد.

مشروع نظام الملالي
ويقول الباحثان إن "تجنيد الجنرال سليماني للأطفال الأفغان في لواء فاطميون واستخدامهم بيادق لتحقيق طموحات إيران الإقليمية، دفع الكثيرين في أفغانستان إلى وصفه بقاتل أطفالهم، والواقع أن هذه القسوة تُعد جزءاً من إرث إيران في أفغانستان".

ويخلص التقرير إلى أن سجل انجازات الجنرال سليماني يكشف أن التحالفات الإيرانية المتغيرة كانت خاضعة للبراغماتية أكثر من أي شعور برسالة نظام الملالي في هذا العالم أو حتى فكرة العداء الدائم لفصيل بعينه.

ففي أفغانستان استخدمت طهران الطائفية وتجاوزت الانقسام الطائفي، وتعاونت مع الولايات المتحدة وعملت ضدها أيضاً، كما لعبت دوراً سرياً في هزيمة الاتحاد السوفيتي، وتفاقم النزاعات الداخلية، كل ذلك لضمان استمرارية المشروع السياسي لنظام الملالي في طهران.

ويختتم تقرير المجلة الأمريكية قائلاً: "رغم أنه سيكون من العبث وصف إيران بقوة لتحقيق الاستقرار في المنطقة، لدورها في الإبادة الجماعية المستمرة في سوريا، واليمن، إلا أنها في أفغانستان على وجه التحديد تسعى إيران إلى شريك إقليمي، وتتطلع طالبان إلى الشرعية، ومن المتوقع أن تلعب علاقتهما دوراً حاسماً في بناء أساس محفوف بالمخاطر للأمن الدائم، خاصةً بعد انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة".