لبنانيون يتظاهرون في بيروت (أرشيف)
لبنانيون يتظاهرون في بيروت (أرشيف)
الخميس 20 فبراير 2020 / 12:42

لبنان مفلس... وانتفاضته أيضاً

تعرف الانتفاضة اللبنانية أسباب اندلاعها، لكن أركانها لا يعرفون بعد كيف يحققون هدفهم. ولذلك يصبون غضبهم أحياناً على مظاهر عدم المساواة التي تجسدها متاجر ماركات العالمية لألبسة وحقائب وساعات. وتحسباً لذلك الغضب الشعبي ضد النظام السياسي والنخبة الحاكمة، وضعت حواجز إسمنتية وأسلاك شائكة أمام بعض معالم بيروت، مثل المسجد العمري، ومبنى البرلمان، أو محلات كبرى لدور الأزياء والمجوهرات.

على المنتفضين العمل أكثر، للانتقال إلى علل نظامهم السياسي الذين يريدون إصلاحه

وتحولت ساحة الشهداء إلى بؤرة للاحتجاجات التي بدأت منذ 5 أشهر. ونادى آلاف من الذين تجمعوا هناك، للتخلص من الطبقة السياسية الحاكمة، وبانتخابات مبكرة، ووضع حد لنظام تقاسم السلطة الطائفي الذي كرس المحسوبية ،والفساد في البلاد.

 تراجع حجم التجمعات
ولكن حجم التجمعات تراجع، وهدأت حدة الأناشيد التي تدعو للثورة. ويتواصل اعتقال منتفضين، ولكن يعتقد بعضهم أن السبب الرئيسي في تراجع أعدادهم، إرهاق مترافق مع شعور متزايد باليأس من مستقبل الحركة.

وتقول أنشال فوهرا، الصحافية المستقلة في موقع "فورين بوليسي"، والتي تغطي من بيروت قضايا الشرق الأوسط وجنوب آسيا، إن حركة الاحتجاج نجحت في تأكيد شعور واسع النطاق بالإحباط من نظام فشل بصورة روتينية في توفير فرص عمل، ورعاية صحية، وتعليم بكلفة معقولة. ولكن المنتفضين لم ينجحوا في وضع استراتيجية طويلة الأجل ومتماسكة للتغيير، لأنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء تطوير مثل تلك الاستراتيجية.

موقف حرج
وتشكلت في يناير(كانون الثاني) الماضي، بعد قرابة ثلاثة أشهر من استقالة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، حكومة جديدة يفترض أن أعضاءها تكنوقراطاً وأكثر استجابة لمطالب المنتفضين، ما وضعهم في موقف حرج، إذ حصلوا على حكومتهم الجديدة، لذلك يشعر بعضهم بوجوب التريث قليلاً ومنح الحكومة فرصة.

ولكن معظم المنتفضين يتفقون على أن الحكومة الجديدة ليست إلا ظلاً لمصالح راسخة لدى حزب الله وحلفائه، والذين وقفوا معاً ضد المنتفضين.

ووفقاً للكاتبة، عندما خرج المنتفضون لأول مرة إلى الشوارع، أصدر حزب الله بيانات تعبر عن تعاطفه مع مطالبهم. وكان ذلك متناغماً مع زعمه التقليدي أنه يحارب دفاعاً عن حقوق الطبقة العاملة في لبنان، وهي في معظمها من الطائفة الشيعية. وعلى امتداد مسيرته، أصبح حزب الله طرفاً راسخاً في المجتمع اللبناني، ولكن ما يدعو للسخرية اليوم، أن مصالح الحزب أصبحت متشابكة مع مصالح المؤسسة الحاكمة.

قرار براغماتي
واتخذ حزب الله في بداية الانتفاضة قراراً براغماتياً بالوقوف مع المنتفضين، ولكن دعم التغييرات الواسعة التي طالبوا بها، هدد مكانته السياسية. وعندما بدأت المفاوضات لتسمية خلف للحريري، أوضح الأمين العام حزب الله حسن نصر الله، أنه لا يقبل مشاركة المنتفضين في الحكومة.

ولذلك تندلع اليوم اشتباكات بين قوات الشرطة والمنتفضين، فضلاً عن نزاعات منتظمة في الشارع بين منتفضين، وعصابات الدراجات النارية من أتباع حزب الله.

وترى الكاتبة أن الاحتجاجات كانت مرتجلة وتفتقر إلى أي رعاية سياسية ذات مغزى، وهي أكثر بقليل من فورة غضب شعبي، بلا قيادة.

ورغم أن هذا النمط من السياسة أعطى للحركة في بدايتها درجة من المصداقية، إلا أنه لم يكن مفيداً في طرح خطة محددة ورؤية.

تطوير استراتيجية
وفي ظل وضع راهن جديد، يحتاج المنتفضون لتطوير استراتيجية سياسية منظمة للإطاحة بالطبقة الحاكمة عن طريق صندوق الانتخاب. ويكمن أكبر العراقيل أمام المنتفضين في إيجاد وسيلة للتغلب على دوافع طائفية افتراضية عند الناخبين.

وإذا لم يتحقق ذلك، فهناك احتمال انقسام الانتفاضة على أسس طائفية، ما يعرضها لخطر الهزيمة  على يد النخبة الحاكمة الأكثر خبرة من الناحية السياسية.

وتختم الكاتبة رأيها بتأكيد أن الانتفاضة اللبنانية نجحت بشكل كبير في لفت الانتباه الوطني والدولي للمشاكل العميقة للنظام الحاكم في لبنان. ولكن المنتفضين في حاجة للعمل أكثر، للانتقال إلى تشخيص علل نظامهم السياسي الذين يريدون إصلاحه، لكن عليهم قبل ذلك إصلاح الخلل في انتفاضتهم بالذات.