الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون متوسطاً الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين.(أرشيف)
الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون متوسطاً الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين.(أرشيف)
الخميس 20 فبراير 2020 / 19:28

سوء فهم عميق مع الشعب

هذا الحوار الذي انقطع بسبب الانقسام والصراعات الداخلية، ووصول أصحاب المصالح الصغيرة الى مواقع القرار، أو تشكل مصالح خاصة لدى أصحاب القرار وجزء منتفع من النخبة السياسية، هذا الحوار هو الذي يحتاجه الفلسطينيون

في الرد على الرأي القائل بأهمية اللقاءات الفلسطينية مع وفود إسرائيلية، كما حدث مؤخراً في رام الله وتل أبيب وأثار جدلاً واسعاً في فلسطين وعلى منصات التواصل الاجتماعي وصلت حد "التخوين"، يمكن القول إن لا أهمية تذكر لمثل هذه اللقاءات، وقد تسببت بأضرار كان يمكن تجنبها خلال الفترة الماضية، أضرار تفوق ما يبرره مدبروها من فائدة.

عدم الأهمية المقصودة هنا يشمل مستوى القائمين على هذه اللقاءات وتصورهم "الخاص" لدورهم وللجدوى التي يمكن أن تنتج عنها، والمشاركين فيها ومدى قدرتهم على الـتأثير في المجتمع الإسرائيلي المتحصن بعنصريته والذاهب نحو الفاشية بقفزات واسعة، يمكن أن نضيف هنا عزلة الشركاء الفلسطينيين أنفسهم وعدم قدرتهم على بث رسالتهم في الأوساط الفلسطينية التي يتحدثون باسمها، هذه العزلة التي تنتج ردات فعل شعبية عنيفة في معظم الأحيان، كما يحدث الآن، العزلة التي ساهمت في استفزاز مشاعر الكثير من الناس عبر استقبال وفد اسرائيلي في مطعم في رام الله، والتي تتجلى قبل كل شيء في توقيتها، حيث يتلقى الشبان دعوات رسمية وشبه رسمية للتوجه للحواجز ومواجهة جيش الاحتلال ودورياته ومستوطنيه، بينما يجلس موجهو هذه الدعوات أو من يمثلهم في مطعم في حي الطيرة الراقي في رام الله يتبادلون أطباق الطعام مع وفود اسرائيلة.
هذا استفزاز وسوء تدبير، ولكنه قبل ذلك سوء فهم عميق ومتراكم مع الشعب.

لقد جرى استثمار فكرة هذه اللقاءات التي ظهرت بقوة إثر توقيع اتفاقيات "أوسلو" وشاركت فيها قطاعات متعددة وقوى من الشعب الفلسطيني، كان هناك تركيز واضح على المكون الشبابي، ومحاولة "بناء جسور"، هكذا أطلق عليها في حينه، لحوار يتقدم بالتوازي مع تقدم تطبيق ملاحق الاتفاق السياسي، أوسلو، الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة العمالية في اسرائيل.

كانت ضمن ملاحق "اتفاق المبادئ" ذاك، إلى جانب انسحاب قوات الاحتلال من المدن ومناطق "أ"، ووقف البناء في "المستوطنات"، نظرياً في الأقل، وأعمال إنشاء وتشغيل "مطار عرفات" في رفح، والميناء في غزة والتواصل عبر الممر بين الضفة وغزة، ووجود الراحل "فيصل الحسيني" في "بيت الشرق" في القدس ..إلى آخر تلك الوقائع التي كان يمكن رفعها في وجه الرافضين للاتفاق وملحقاته، الوقائع الهشة التي تآكلت فيما بعد إلى أن اختفت تقريباً، ولكن "فكرة اللقاءات" رغم ضعفها وتهافتها بقيت قائمة فيما يشبه "لافتة" غير ضرورية تشير إلى المكان الذي طويت فيه أوهام السلام مع الفاشية.

انتهى اتفاق "أوسلو" وطويت ملاحقه على الأرض عبر ما يقارب العقود الثلاثة التي تبعت توقيع محمود عباس وشمعون بيريظ في حديقة البيت الأبيض، عملياً بدأت مبكراً عملية تفريغه من مضمونه، وهو مضمون لا يشبه أحلام الفلسطينيين، ولكن توقيع المنظمه وزلزال الانتفاضة الأولى وأثرها العميق والثقة التي تراكمت في الوعي الفلسطيني، الثقة في إمكانيات الناس والثقة في القيادة التاريخية التي كان يمثلها ياسر عرفات، منحا هذا التوقيع قدرة على التنفس والحياة والحركة، وبناء الأمل بامكانيات تطوير الاتفاق عبر البحث عن موازين قوى جديدة بدأت تتشكل على الأرض، لعل أهمها هو التواصل بين الخارطة الديمغرافية الفلسطينية في الضفة وغزة ومناطق ال48 والحوار الغني الذي انفتح بين هذه التجمعات وتبادل الخبرات وتجربة كل تجمع وخصوصيته، والخارج ممثلاً بمنظمة التحرير الفلسطينية وتاريخها وتضحياتها ومسيرتها الغنية ووثيقة الاستقلال التي حملتها معها الى الداخل.

هذا الحوار الذي انقطع بسبب الانقسام والصراعات الداخلية، ووصول أصحاب المصالح الصغيرة إلى مواقع القرار، أو تشكل مصالح خاصة لدى أصحاب القرار وجزء منتفع من النخبة السياسية، هذا الحوار هو الذي يحتاجه الفلسطينيون، وليس أي حوار آخر.

الثورات أحداث غير مقصودة في الغالب، ولكن أسبابها واضحة، وما يحدث في فلسطين هو تراكم نشط لهذه الأسباب.