مسلمو فرنسا (أرشيفية)
مسلمو فرنسا (أرشيفية)
الجمعة 21 فبراير 2020 / 00:33

"الإسلام الفرنسي".. بوابة الإخوان وقطر للسيطرة على أوروبا

24 - القاهرة - عمرو النقيب

تنفذ الحكومة الفرنسية استراتيجية جديدة لمواجهة خطر التمدد الإسلامي المتشدد، الذي يمثل تهديداً للمجتمعات الأوروبية.

ووفقا لتقارير إعلامية، فإن الرئيس ماكرون يرغب في رسم خط واضح بين ما سمي "الإسلام والإسلاموية"، وخلال زيارته الأخيرة لشرق فرنسا أعلن ماكرون عن عدد من التدابير لمحاربة "الانفصالية الإسلامية".

وأوضح أنه لا يمكن تطبيق القوانين التركية على أراضى فرنسا، وأنه سيفرض قيوداً على إيفاد دول أجنبية أئمة ومعلمين إلى بلاده، للقضاء على خطر "الشقاق"، معرباً عن قلقه إزاء مصادر التمويل القطرى لمجمع مسجد النور بمدينة ميلوز شمال شرقى البلاد، والذي يخضع للإخوان.

وأوضحت التقارير أن الرئيس الفرنسي ينظر إلى الإسلاموية على أنها سرطان يجب استئصاله قبل أن ينتشر في بلده وفي أوروبا، وأنه أعلن في 19 فبراير (شباط) الجاري، أنه سيحظر على الدول الأخرى إرسال الأئمة والمعلمين الإسلاميين إلى فرنسا، بهدف منع "الانفصالية".

ويتناول 24 في هذا التقرير أهم المؤسسات التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية في فرنسا، والمدعومة من تركيا وقطر.

ويعتبر اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (UOIF)، الممثل الرسمي للتنظيم الدولي للإخوان في فرنسا، التي قسمها إلى 8 قطاعات إدارية، ويضم أكثر من 250 جمعية إخوانية، ويشرف على عدد من المؤسسات والكيانات والمراكز الإسلامية التابعة للتنظيم.

ويوجد مقر "اتحاد المنظمات الإسلامية"، الذي عدل اسمه إلى "مسلمي فرنسا" (M D F)، في المنطقة الصناعية بـ"كورناف"، ويعد الفرع الفرنسي من اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا.

وتأسست النواة الأولى لـ"اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا" (UOIF)، في مارس (أذار) 1983 على يد مجموعة من طلاب المشرق العربي، هم المصري أحمد محمود، المولود في محافظة المنيا عام 1947، والتونسي عبدالله بن منصور، والعراقي زهير محمود، المولود في الموصل عام 1952، والسوري محمد خلدون باشا، المولود عام 1955، واليَمَني عبد الرحمن بافاضل، المولود في حضرموت عام 1948.

كانت البداية في إقليم مورت وموزيل، عقب تجمع 4 جمعيات لشمال وشرق فرنسا، ذات تنظيم سرى، لم تخرج إلى العلن إلا حين أُثيرت قضية "الحجاب الإسلامي"، في أكتوبر(تشرين الأول) 1989، وهي الحادثة الأولى التي عرفتها فرنسا قبل أن تتلوها حوادث مماثلة في مدينتي كراي ومرسيليا، وتم حل المشكل في إطار مندوبيات التعليم، إذ قام رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، بزيارة مدير المدرسة لإقناعه بإعادة إدماج الفتيات الثلاث، ثم قاما بتوجيه رسالة مفتوحة للوزير الأول ميشال روكار، يشرحان فيها موقف الإسلام من الحجاب.

بعد عام من تأسيسه، ضم الإتحاد 31 جمعية إسلامية، تنتمي أصول أعضائها إلى تركيا ودول المغرب العربي، وزادت توسعاته في مطلع التسعينات.

وهكذا بدأت هذه المنظمة تشق طريقها إلى الإعلام والسياسة في الحياة الفرنسية، حتى وصل الأمر بوزير الداخلية آنذاك، "بيار جوكس"، بإدخال عضوين من الاتحاد، هما رجل الأعمال المغربي عمار لصفر، والتونسي عبدالله منصور إلى المجلس الاستشاري لمسلمي فرنسا، والمعروف اختصاراً بالــ(CORIF)، والذي تم انشأه لخلق هيكل إسلامي يكون مخاطباً للدولة.

وفي 1985، شارك "اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا"، في تأسيس الفيدرالية الوطنية لمسلمي فرنسا، التي هي في الأصل مبادرة لأحد الفرنسيين الذين اعتنقوا الإسلام، ويدعى دانيال يوسف لوكليرك(Daniel-Youssof Leclercq)، قبل أن ينخرط التنظيم ابتداء من عام 1993 في غزو المساجد الفرنسية، التي كانت في أغلبها تقع في أسفل العمارات والمواضع المنزوية في الأحياء، والتي يطلق عليها دانيال لوكليرك تسمية مساجد المغاور (Islam des caves)، للسيطرة على القطاع المسجدي الزاخر بالشباب من أبناء الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين.

ويتكتم أصحاب الاتحاد على مصادر تمويلهم، وتغمض الدولة الفرنسية أعينها عن التمويل نظراً لتحقيق بعض مصالحها استيراتيجياً واقتصادياً.

وكانت الأموال تأتيهم غالبا عن طريق هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية التي يسيطر عليها الإخوان، وعبر مؤسسة الأعمال الخيرية لعمارة المساجد، وعن طريق الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بالكويت، التي أطلق فكرتها يوسف القرضاوي، أحد مرجعيات الإخوان.

ويقيم "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا"، مؤتمراً سنوياً عملاقاً في ضاحية باريس، تحت مسمى "لوبورجيه" (LEBOURGET )، في شهر مارس، ويلتقي في هذا المؤتمر الكثير من قيادات الإخوان واتباعهم، ويلقون فيه محاضرات فكرية، لكن الإعلام الفرنسي كثيرا ما يتجاهلهم.

ويمثل مؤتمر "لوبورجيه" (Le Bourget) السنوي معرضا تجاريا هاما تُعرض فيه الكتب التي تهتم بالثقافة الاسلامية والعربية، ويزوره الكثير من المسلمين وغير المسلمين من جميع دول أوروبا المحاذية لفرنسا، وفي بعض السنوات يصل عدد الزوار ما يزيد على مائة ألف شخص على مدى ثلاثة أيام هي الجمعة والسبت والأحد.

ويدير "اتحاد المنظمات الإسلامية" (UOIF)، معهدا للتعليم يسمى رسميا بـ "المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية، (IESH)ويقع أحد فروعه في باريس، تأسس في يناير2001، ويدرِّس مرتاديه اللغة العربية والشريعة الاسلامية.

ينشر المعهد بعض المنشورات والكتيبات الإسلامية باللغة الفرنسية تعبر في الغالب عن وجهة نظر الإتحاد الإخواني حول الإسلام.

في عام 2017، صوت "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا" ، على تغيير اسمه إلى "مسلمو فرنسا"( Musulmans de France).

يشكل موضوع التمويلات المالية لحركة الإخوان الفرنسية صندوقاً أسود يصعب اختراقه.

وتشير الدراسات المتتبعة لقضية تمويل الأذرع الإخوانية في فرنسا إلى أن هذا الاتحاد يزعم أنه "لا يتلقى أي دعم من أية دولة، وحوالي أكثر من 80 % من مداخيله إنما تأتي من منخرطيه بالأساس، في حين تأتي نحو 12 % من هبات من ممولين من الشرق الأوسط".

غير أن الباحثة الفرنسية المختصة في الشؤون السياسية فيامتا فينر في كتابها الأخير "عرض شراء للإسلام في فرنسا: الطموحات السرية لاتحاد منظمات مسلمي فرنسا"، تشير في الفصل الذي خصصته لتمويل هذا الاتحاد إلى أن القسم الأكبر من الأموال تأتي في الحقيقة من أثرياء عرب .

ويدفع القطريون القسط الأكبر من هذه الأموال التي يخصصها الاتحاد للمشاريع العقارية مثلما بيّن الأستاذ المحاضر في العلوم السياسية سنيغر حواس في حوار مع جريدة "ليبيراسيون" الفرنسية بتاريخ 23 أبريل(نيسان) 2013 بقوله: "لقد صار واضحاً أن أعضاء الاتحاد يزورون الخليج لجمع الأموال، وهذه الأموال تتخذ صيغة السيولة النقدية أو الاستثمارات في المجال العقاري أو المشاريع ذات الصلة الوثيقة بالأيديولوجية الدينية للإمارة القطرية".

أهداف فكرية
وفي كتابه الشهير "قطر هذا الصديق الذي يريد بنا شراً" كشف الصحفي نيكولا بو، عن دور سفير قطر في فرنسا محمد جهام الكواري، في تمويل غالبية المؤسسات الإسلامية في فرنسا، منبها أن الخطر الحقيقي لا يتمثل فقط في معرفة من ينفق، بل في الغايات التي يوجّه إليها هذا الإنفاق، فإن القطريين يؤدون دوراً أكثر خطورة وهو غرس الأيديولوجية الإخوانية في كل أنحاء أوروبا وفرنسا تحديداً.

ويشير إلى أن الإسلام الفرنسي، هو الرهان الحقيقي للسياسة القطرية في التحكم في الإسلام الأوروبي، ووسيلتها ايضا للتحكم في الجاليات الأفريقية، حيث يبدو أن لقطر حسابات في هذه البلدان، لكونها تسعى إلى احتكار الإسلام الإخواني ووضعه تحت مظلتها وإعادة بيعه لأوروبا معلباً في أشكال متعددة.

وفي غياب تام للسلطات الفرنسية دفع القطريون برموز وقيادات الإخوان إلى أعلى المؤسسات الدينية الفرنسية، وهكذا فعلوا مع أحمد جاب الله عضو الاتجاه الإسلامي التونسي السابق لرئاسة الاتحاد وهو عضو بالمجلس الأوروبي للإفتاء الذي يرأسه الإخواني يوسف القرضاوي، والسبيل طبعاً لكل هذه السياسيات كما يقول نيكولا بو، هو "الدفع بالدولار".

ففي بداية 2012 وعن طريق مؤسسة قطر الخيرية دفع أحد الأثرياء القطريين عدة ملايين، لبناء مسجد في مدينة نانت تبلغ مئذنته 17 متراً، وكان رموز الإخوان الفرنسيين حاضرين يوم التدشين مع ممثلي السلطات الفرنسية.

وقطر بهذه الاستثمارات لا تستثمر في الحجر كما يقول نيكولا بو، بل إنها تستثمر في الرجال والأفكار، وهي مستعدة "لشراء" الداعية الإخواني طارق رمضان كما تشتري أي لاعب كرة قدم لفريق باريس سان جيرمان، لتحقيق أهدافها التي تتجاوز بالتأكيد حجم الإمارة نفسها.

ومثلما بيّنه الباحث سنيغر حواس، الذي يذهب إلى حد القول إن جنون العظمة هو الذي يدفع القطريين إلى حد تصور أنهم قادرون من خلال ثرواتهم أن يكونوا "محور النهضة الإسلامية العالمية عوض المملكة العربية السعودية".

عرف اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا، بصفته الإخوانية على مدار سنوات وجوده، التى بدأت منذ نشأته في 1983، خلال تلك الفترة لم يجد الاتحاد أزمة مع هذا التوصيف والانتماء للتنظيم الدولي، إلى أن عملية محاولة إدراج الجماعة على قوائم الإرهاب من قبل إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، دفعت اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا، إعلان عدم تبعيته للتنظيم، من خلال مؤتمر صحفي عقده فى تركيا، كنوع من المراوغة والهروب من قرار الحكومة الأمريكية بالحظر.

وكشف تقرير للصحيفة الاستقصائية البريطانية "ذا إنڤستيجيتيڤ چورنال - تي آي چيه"، : "إحدى المنظمات الأخرى المتصلة بالإخوان والتي تنشط في فرنسا خلال تلك المرحلة هي "مسلمو فرنسا" (M D F)، حيث تمكن صحفى تابع لـ"تي آي چيه" بتصوير لوحة فنية تظهر "ماريان" الشعار الوطني للجمهورية الفرنسية، وهي ترتدي حجاباً للرأس، بجوار أدبيات يوسف القرضاوي".

وكشف التقرير أن منظمة مسلمي فرنسا أعادت بعث نفسها بعد الكشف عنها كـ"حصان طروادة" تابع للإخوان داخل فرنسا، حيث لم تكن المنظمة تحمل هذا الإسم من قبل، حتى 2017 وكانت تحمل إسم "إتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا"، تخوفا من إدراجها كجماعة إرهابية نظراً لصلاتها بالإخوان.

وأوضح تقرير الصحيفة البريطانية أن منظمة "مسلمي فرنسا" نفت وجود علاقة بينها وبين الإخوان، ولكن بعض المسؤولين الفرنسيين السابقين بالمنظمة،كشفوا أن هناك علاقات حية بين المنظمة والجماعة تمتد حتى اليوم، ما يجعلها مركزاً لنشر الأصولية والتطرف الإسلامي في فرنسا.

وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أنها التقت بـ"محمد لويزي"، أحد المسؤولين السابقين بالمنظمة؛ الذي أكد الصلة بين المنظمة والإخوان، وأنها تعمل بفاعلية في ترويج أچندة الإخوان، وأن هناك قائمة طويلة من منظمات المجتمع الإسلامي في فرنسا تخضع لتأثير فكر جماعة الإخوان وقياداتهم.