تعبيرية.(أرشيف)
تعبيرية.(أرشيف)
الجمعة 21 فبراير 2020 / 18:00

غزو الجراد

هذا الهلع العالمي من ارتفاع درجات الحرارة لا يمكن أن يهز شعرة من شعوب تحتسي الشاي الساخن في الظهيرة حينما تكون درجة الحرارة تشير إلى ٥٠ درجة مئوية

أخشى ما أخشاه شخصياً أن يرتبط مصطلح "التغيّر المناخي" في أذهاننا بصور لا تمت لبيئتنا بصلة. فمنذ نسمع التحذير بالكارثة، نتخيل ذوبان جليد القطبين الجنوبي والشمالي، أو مجاعة الدببة القطبية، ونتوهم في لاوعينا بأننا بخير بصحارينا وجفافنا.

فهذا الهلع العالمي من ارتفاع درجات الحرارة لا يمكن أن يهزّ شعرة من شعوب تحتسي الشاي الساخن في الظهيرة حينما تكون درجة الحرارة تشير إلى 50 درجة مئوية.

إلا أن أسراب الجراد -التي تغزونا حالياً في الخليج قادمة من شرق إفريقيا- ستتكفل بإكمال هذا الدور التوعوي الهام.
علينا أن ندرك أولاً بأن كارثة الجراد تأتي متخفية في ظل نعمة إلهية عظيمة لا يستسيغ معظمنا التركيز على مساوئها، أو مسبباتها الخطيرة: الأمطار.
فلقد تزايدت معدلات تساقط الأمطار بشكل واضح وملحوظ خلال السنوات القليلة الماضية على دول القرن الإفريقي، مثل إثيوبيا والصومال وجيبوتي.
ونشهد هذه الظاهرة أيضاً في شبه الجزيرة العربية، ومَن منا لا يتذكر وصول إعصار "مكونو" كعاصفة مدارية ماطرة إلى قلب صحراء الربع الخالي في مايو(أيار) 2018، وتحويل كثبانها الصفراء إلى بحيرات مترامية الأطراف.

إنها الظاهرة التي يقابلها أغلبنا بفرح واستبشار كبيرين، خصوصاً وأننا نرى فيها تحقق نبوءة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حينما توعّد ألا تقوم الساعة "حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا".

ولكن الوقائع المحزنة حالياً تقول إن تضاعف العواصف المطيرة، والأعاصير، واستطالة مواسم هطول الأمطار عموماً لأكثر من فتراتها المعهودة، يعود في الحقيقة إلى ارتفاع درجة حرارة المياه في المحيط الهندي، وهي إحدى تأثيرات التغيّر المناخي الذي يمر تحت أنوفنا بخبث.

بطبيعة الحال، يؤدي ذلك إلى توافر الغذاء، وهو الإخضرار الذي يخدع أعيننا عما يحدث لمناخنا. وعوضاً عن بقاء أعداد ومعدلات نمو الجراد على ما هي عليه بسبب القصر الاعتيادي لموسم الأمطار، نجد مواسم الأمطار المستطيلة تسمح بنضوج أكثر من جيل من الجراد جنباً إلى جنب، مما يفسر أحجام الأسراب المرعبة، وسلوكها النشط.

فحينما مر بنا "مكونو" في صيف 2018، وسمح بنمو الغذاء في الصحاري القاحلة عادةً، تضاعفت أعداد الجراد لدينا 400 مرة في غضون 6 أشهر. وحينما ضربت شبه الجزيرة العربية عاصفة مدارية ثانية في أكتوبر(تشرين الأول) من العام نفسه، تضاعفت الأعداد بحوالي 8000 ضعف بحلول مارس(آذار) 2019، لتطير بعد ذلك إلى الجنوب الإيراني، وتنتقل منه إلى باكستان والهند.

وبالمثل، فإن الأسراب التي تهدد اليوم سواحل الخليج العربي، وغزت بالفعل مدن الدمام والخبر، بالإضافة إلى مملكة البحرين، كانت نتاج عواصف مدارية غزيرة قد ضربت القرن الإفريقي في ديسمبر (كانون الأول) 2019، فأحضرت لنا الدمار متخفياً في ثوب الخصوبة والنضارة.
إن التغير المناخي جاء إلينا، طارقاً على أبوابنا وملتصقاً بزجاج نوافذنا، فهل نستمر في تجاهله؟