احتجاجات ضد البشير في السودان (أرشيف)
احتجاجات ضد البشير في السودان (أرشيف)
الأربعاء 26 فبراير 2020 / 20:57

السودان يتعثر في مرحلته الانتقالية مع غياب دعم جديد من المانحين

بادر السودان على نحو مفاجئ إلى الانفتاح على إسرائيل، وأعلن دفع تعويضات عن تفجير سفينة حربية أمريكية قبل 20 عاماً، وقال إنه "سيتعاون تعاوناً كاملاً مع المحكمة الجنائية الدولية في القضايا المتصلة بإقليم دارفور".

وكل هذه الإجراءات قد تساعد على إعادة بناء علاقات السودان مع الغرب، بعد قطيعة دولية لعقود وعلى حصوله على دعم مالي، هو في أمس الحاجة إليه لاقتصاده المترنح. لكن الخطوات المتخذة في الشهر المنقضي، قد لا تكون كافية.

المانحون الدوليون يقبضون أيديهم، مطالبين بمزيد من الشفافية في الإنفاق العام والعسكري وبخطة إصلاح اقتصادي وإلغاء دعم الوقود الذي تقدر تكلفته بنحو 3.5 مليارات دولار سنوياً.

ويقول بعض السودانيين إن مبعث الخطر يكمن في احتمال انهيار الاقتصاد بسبب غياب الدعم الكافي، ما قد يتسبب بدوره في تأجيج صراع سياسي ربما يهدد آفاق عهد ديمقراطي جديد. وليس واضحاً بعد متى يمكن توفر دعم حقيقي.

واجتمع مانحون محتملون من الغرب والخليج عدة مرات لكنهم أرجأوا إلى يونيو(حزيران) المقبل مؤتمر "أصدقاء السودان" الاقتصادي الذي قد يشهد تعهدات بمساعدات بعد أن كان من المقرر عقده في أبريل (نيسان) الماضي.

وأشارت الولايات المتحدة إلى إمكانية رفع السودان من قائمتها للدول الراعية للإرهاب، لكنها لم تحدد إطاراً زمنياً لذلك، ويعقد بقاء السودان على القائمة جهود التفاوض على اتفاق يحل أزمة دين السودان الخارجي والحصوله على التمويل من مقرضين دوليين وإعادة ربطه بالنظام المصرفي الدولي.

أزمة اقتصادية
من المقرر أن تبقى حكومة الخبراء التي تشكلت بموجب اتفاق لتقاسم السلطة بين المدنيين والجيش، في السلطة حتى آخر 2022،  وتواجه هذه الحكومة أزمة اقتصادية تفاقمت منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير الذي استمر في الحكم طويلا في أبريل (نيسان) الماضي.

وقال وزير الإعلام فيصل صالح: "لدينا أفكار اقتصادية لكيفية التغلب على ذلك. لكن كل هذه الفرضيات تعتمد على قدرٍ من المساعدات الخارجية.. نحتاج مساعدات ضخمة وحقيقية".

وقال وزير المالية في نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي، إن "الحكومة بحاجة لما يصل إلى 5 مليارات دولار لتفادي انهيار الاقتصاد".

ومنذ ذلك الحين، يسعى المسؤولون لمواجهة أزمة نقص في الوقود، والخبز المرتبطة بشح الدولار وتهريب السلع المدعمة، رغم تقديم دول الخليج مساعدات للسودان.

وتجاوز التضخم 60% "أحد أعلى المعدلات في العالم" ما أصاب القدرة الشرائية بالشلل.

وأصبح أكثر من 9 ملايين شخص، من إجمالي عدد سكان آخذ في التنامي يبلغ حالياً 43 مليون نسمة، في حاجة للمساعدات الإنسانية في حين زادت معدلات سوء التغذية للأطفال.

ويقول وزراء إنهم أحرزوا تقدماً في عملية السلام الرامية لحل الصراعات الداخلية المحتدمة منذ أمد بعيد، لكن التحديات الاقتصادية أكبر من المتوقع وتهدد المرحلة الانتقالية لبدء عهد ديمقراطي جديد.

ورغم أن الحكومة لا تزال تحظى بالشعبية في الشارع، يقول دبلوماسيون ومحللون إنها مرتبكة، ويخشون من نفاد صبر الناس".

وقال كبير مستشاري السياسات في مجموعة إناف بروجكت للأبحاث في واشنطن سليمان بالدو: "لا أعتقد أنه يوجد وعي استراتيجي بأن هذه اللحظة التاريخية فارقة للغاية للسودان، إما الانتقال للحكم المدني والديمقراطي أو الانحدار إلى وضع الاقتصاد الفاشل والدولة الفاشلة".

وتواجه الحكومة معارضة داخلية بسبب الإصلاحات الاقتصادية.

وتراجع وزراء عن اتخاذ خطوات كبرى حول الدعم في انتظار اجتماع اقتصادي في أواخر مارس(آذار) النقبل مع قوى الحرية والتغيير، وهو تحالف حركات سياسية ساندت الانتفاضة وخاضت مفاوضات تقاسم السلطة.

الفساد
يشكل الفساد مشكلة لدى المانحين. وقال دبلوماسي غربي: "إذا لم يفعلوا شيئاً في دعم الوقود، فإنهم لن يحصلوا على أي أموال. هذا هو الوضع ببساطة".

وأضاف أن إعلان نظام تسعير مزدوج في بعض محطات الوقود في منتصف فبراير(شباط) الجاري لم يكن كافياً.

وتقول تيارات يسارية ذات نفوذ في قوى الحرية والتغيير: "لا حاجة للدعم الخارجي".

وتفضل هذه التيارات التركيز على استعادة الأموال المهدرة بسبب الفساد ومحاولة استعادة الثروات المتراكمة لدى الأجهزة الأمنية السودانية منذ عهد البشير.

واتخذت خطوات لتحييد شبكات الإسلاميين القائمة منذ عهد البشير في الوزارات، وأجهزة المخابرات، لكن القيادة العليا للجيش، وقوات الدعم السريع تقود مجلس السيادة على مدى أول 21 شهراً من المرحلة الانتقالية وبالتالي توجد صعوبة في تحدي مصالحهم.

وقال صادق فاروق، وهو أحد الشخصيات القيادية في قوى الحرية والتغيير وينتمي للحزب الشيوعي السوداني، إن "العسكريين يستغلون المرحلة الانتقالية لتوسيع نفوذهم".

وقال فاروق: "الدعم ليس سبباً في الأزمة المالية، بل يكمن السبب في طريقة تخصيص الموارد داخل السلطة الانتقالية".

وأضاف "زيادة المعونات لن تحل مشاكل السودان".

أما ميزانية العام الجاري، فأعلن المسؤولون، مساهمة من الجيش بملياري دولار، لكن دبلوماسيين رأوا في هذا العرض دليلاً على قوة اقتصادية غير مقبولة.

واعترف صالح بوجود "بعض المقاومة" لمحاولات الحد من نفقات الجيش ووضع الموارد الاقتصادية تحت سيطرة مدنية، لكنه قال إنه "لا بديل عن تقاسم السلطة".

وأضاف "هي شراكة صعبة للغاية لكن علينا العمل سوياً".