الخميس 27 فبراير 2020 / 16:00

انتفاضتا العراق ولبنان فقدتا بريقهما...والسبب؟

منذ بداية انتفاضتيهم في أكتوبر( تشرين الأول)، كافح لبنانيون وعراقيون من أجل لفت انتباه وسائل الإعلام الدولية لتحركاتهم، ولكن التغطية الإعلامية انحسرت كثيراً مقارنة مع أحداث دولية كبرى أخرى تزامنت معهما، كقضية بريكست واحتجاجات هونغ كونغ.

أدى التحول السياسي نحو الداخل في أمريكا وبريطانيا خلال السنوات الأخيرة، لتراجع تغطية قضايا دولية هامة

ويرى أنطون عيسى، باحث لبناني غير مقيم في "معهد الشرق الأوسط"، أن الأثر الرئيسي لتراجع التغطية تمثل في انعدام ضغط دولي مستدام على قادة سياسيين لبنانيين أوعراقيين من أجل الاستجابة لمطالب المنتفضين بإجراء تغييرات منهجية شاملة. ويكمن خطر إبعاد الأنظار عن تلك الاحتجاجات في السماح لأطراف سياسية برفع حدة رد فعلهم. وفي حالة العراق، أودت ردود عنيفة بما لا يقل عن 600 شخص منذ بداية الانتفاضة.

قصور الإعلام الدولي
ويرى كاتب المقال أن نقص التغطية الصحفية يكشف أيضاً قصور صناعة الإعلام الدولي. ففيما تواصل وسائل إعلام أمريكية وبريطانية ممارسة تأثير كبير في تشكيل الخطاب الدولي، أدى التحول السياسي نحو الداخل في كلا البلدين خلال السنوات الأخيرة، لتراجع تغطية قضايا دولية هامة. ولذا لم تتح أمام الانتفاضتين اللبنانية والعراقية فرصة واسعة لمنافسة  قضايا مثل عزل ترامب وبريكزت.

وباعتقاد الكاتب، ربما استقطب لبنان والعراق مزيداً من الاهتمام الدولي لو اندلعت انتفاضتاهما بالتزامن مع حركات الربيع العربي في عامي 2011-2010، عندما كانت الولايات المتحدة وبريطانيا مستقرتين داخلياً، وساد فيهما اهتمام إعلامي واسع النطاق بالأحداث الدولية. ولكن محرري المواقع الإعلامية الأمريكية والبريطانية الكبرى، وبسبب تراجع مصادرهم التحريرية وتركيز مشاهديهم على قضايا محلية، واجهوا عملية فرز حساسة مما أدى اليوم لتخصيص مساحات أقل لتغطية قضايا دولية.

تنافس
وعلاوة عليه، يلفت الكاتب لاندلاع متزامن لانتفاضات ضد مؤسسات حاكمة في تشيلي ولبنان والعراق وهونغ كونغ التي رأى بعض الدوائر أنها بداية حركة جماهيرية عالمية – ونافست بقوة على احتلال حيز ضيق خصص لقضايا دولية، ما أدى لتقليل إضافي في تغطيتها.

وقد ظهر أن انتفاضة هونغ كونغ اجتذبت تغطية دولية كبيرة قبل بدء انتفاضتي العراق ولبنان، ما أجبر المشرفين على غرف الأخبار الدولية لتقسيم التغطية المحدودة بين الانتفاضات. ولكن لم تستطع أي من تلك الحركات الشعبية صرف الأنظار عن تغطية واسعة لبريكزت الذي بقي محور اهتمام محررين من حول العالم فضلاً عن متابعيهم في أمريكا الشمالية وأوروبا.

فرص ضائعة
وفي ذات السياق، يلفت كاتب المقال لانحسار ملحوظ لملف السياسة الخارجية الأمريكية في حملات الانتخابات التمهيدية الرئاسية الديمقراطية، وغيابها شبه الكامل عن مسرح النقاش. ولكن انعدام الاهتمام الأمريكي الشعبي في تحديات خارجية، لا يقلل من قدر النفوذ الأمريكي الهائل في مختلف أرجاء العالم. وتبقى الولايات المتحدة طرفاً رئيسياً في ما يجري في لبنان والعراق، وتملك ما يكفي من القوة لتشكيل أو إسقاط حركات احتجاجية.

لكن السياسة الخارجية الأمريكية، وهي تشبه كثيراً سياساتها الداخلية، تعتبر ترساً في نظام مترسخ بعمق من خلال عقود من الجمود البيروقراطي والمصالح الخاصة.

ويشير الكاتب إلى استمرار النهج الأمريكي في لبنان على مدار أربعين عاماً، والقائم خصوصاً على دعم نفس النخب السياسية المحلية التي تشاركت في حكم البلاد مع وكلاء إيران المحليين، وجميعهم الآن أصبحوا هدفاً للاحتجاجات. وأما النهج الأمريكي في العراق فقد كان عسكرياً صرفاً – كما ظهر عبر اغتيال قاسم سليماني- وسط انتفاضة شعبية مناهضة لإيران، مما أدى فعلياً لتعريض تلك انتفاضة لقمع شرس نفذته مليشيات مدعومة من طهران.
  
رد فعل
إلى ذلك، غدت التغطية الإعلامية في لبنان والعراق بمثابة رد فعل، وتستجيب لأحداث أملتها عمليات أمريكية. وكان اغتيال سليماني،على سبيل المثال، لحظة الذروة لتغطية إعلامية في لبنان والعراق.

ويرى كاتب المقال أن غياب تغطية صحفية يعني غياب تقييم ضروري للسياسة الأمريكية في كلا البلدين قد يخدم فعلياً المصالح الأمريكية. ويعبر الرد الأمريكي العشوائي على الانتفاضات عن ركود في السياسة الأمريكية، وعجز واضح عن تحويل الدفة عن سياسة عمرها عقود، والاستفادة من فرصة لتحقيق مزيد من الأهداف. وبدون تغطية إعلامية استباقية وطرح سياسات بديلة، ورفع درجة اهتمام الأمريكيين بالمنطقة، لن يكون هناك دافع كبير أمام البيروقراطيين الأمريكيين لتغيير الخطاب. والنتيجة الحتمية ضياع فرصة.