مشرحون من القائمة العربية المشتركة  للانتخابات الإسرائيلية المقبلة (أرشيف)
مشرحون من القائمة العربية المشتركة للانتخابات الإسرائيلية المقبلة (أرشيف)
الخميس 27 فبراير 2020 / 20:03

الحفرة والعربة

تسمح الضجة التي أثيرت حول اللقاءات بين فلسطينيين وإسرائيليين أخيراً بفتح ملف هذه اللقاءات والجدل الدائر حولها، وهو جدل قائم ومتواصل في المشهد الفلسطيني تصاعد خلال الأسابيع الأخيرة، ما دفع الرئيس الفلسطيني لاستقبال اللجنة المخولة بإجراء الاتصالات مع المجتمع الإسرائيلي في مكتبه، في لفتة دعم واضحة لعمل اللجنة التي شهدت استقالة المسؤول عنها.

كيف يمكن الحديث عن برنامج لاختراق "المجتمع الاسرائيلي" بمعزل عن برنامج "القائمة العربية المشتركة"، التي تخوض مواجهة هي الأهم منذ النكبة ومواجهة الحكم العسكري في الخمسينات والستينات

لا ينبغي أن يكون الهدف من فتح الملف تخوين الجهات المنظمة له، أو التشكيك في وطنية القائمين عليه وإصدار الأحكام المرسومة في قائمة طويلة من الثنائيات بسكين باردة، ولكن، هذا يصبح أكثر ضرورة الآن، لقراءة الجدوى التي يمكن أن تنتج عن مثل هذا الملف، وفي أي سياق يمكن وضعها، والأهداف الكامنة وراء برنامج يبدو تائهاً دون سياق، يواصل تعثره في العتمة التي نشأ فيها، برنامج فقد ثقته بنفسه بسبب المراحة، وفقد منذ وقت طويل، بسبب تطور الأحداث وتحولات الصراع ووعي الناس، ثقة الشارع في جدواه. والأهم هو حجم الضرر الذي يمكن يلحقه استمرار هذا النهج في الشارع الفلسطيني.

لم تحظ فكرة اللقاءات بشرائح من المجتمع الاسرائيلي يوماً بالرضا الشعبي، المجتمع الفلسطيني الذي تقبل عبر التجربة والجدل، والعنف في بعض الأحيان، فكرة توجه عشرات آلاف العمال للعمل في إسرائيل، وتصالح معها، حدد بوعي الخط الذي يفصل بين حاجة العامل للعمل في ظل عقود من الاحتلال وغياب البدائل الاقتصادية، وفي سياق علاقة واضحة بين رب عمل محتل، وعامل تحت الاحتلال، وبين برنامج سياسي ممول يحاول أن يتجاوز هذه العلاقة ويبهت المسافة بحيث يمنح الاحتلال حقوقاً ليست له، ويوفر له مقعداً في حوار، غير متوازن، حول أي "حقوق سنمنحها للفلسطينيين".

فكرة التضامن، وإنهاء الاحتلال، ووقف الاستيطان، وتفكيك المستوطنات إلى آخر القائمة، يمكن أن تكون برنامجاً خاصاً بالمتضامنين أنفسهم، وثمة من يقوم بذلك بالفعل عبر مبادرات شجاعة، سواءً من خلال التظاهر في تل أبيب أو المشاركة الجسدية المباشرة في مناطق المواجهة مع جيش الاحتلال والمستوطنين من الخان الأحمر، وحتى نعلين، والنبي صالح، وكفر قدوم، وبلعين، وغيرها، أو عبر تقديم الحقائق التاريخية وكشف فاشية الاحتلال وعنصريته مثل المؤرخ إيلان بابيه أو الصحافي جدعون ليفي.

وبقليل من التبصر يُمكن للمتضامنين الإسرائيليين الاهتداء لبرنامج القائمة العربية المشتركة التي تمثل الأغلبية الساحقة للفلسطينيين في فلسطين العميقة، وهو برنامج يسعى بقوة للعدالة والمساواة، ويلبي بالتفصيل هموم المجتمع الفلسطيني في الداخل، ويرفد النضال الوطني في الضفة، وغزة، ويتصدى بقوة وشجاعة وثقة، للعنصرية المتوحشة في السياسة والمجتمع الاسرائيلي التي يقودها ويغذيها اليمين الفاشي والمستوطنين، البرنامج الذي حقق اختراقات مهمة وحقيقية، ويُتوقع أن يواصل ذلك خلال الانتخابات الأسبوع المقبل.

كيف يمكن الحديث عن برنامج لاختراق المجتمع الاسرائيلي بمعزل عن برنامج القائمة العربية المشتركة، التي تخوض مواجهة هي الأهم منذ النكبة، ومواجهة الحكم العسكري في الخمسينات والستينات، وتتصدى للفاشية اليمينية والصهيونية العنصرية وصفقة القرن.

هذا دخول غير موفق وغير مسؤول على مهمات الحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل، وهي قادرة بخبرتها وموقعها وبحكم ثباتها على أرضها، أن تقوم بهذه المهمة، التي هي مهمتها بالأساس.

في منطقة عمل ثانية ومؤثرة، تتعارض فكرة هذه اللقاءات بشدة مع برنامج ومنجز حركة المقاطعة العالمية، التي حققت وتحقق اختراقات مهمة ومؤثرة في أوروبا، وأمريكا، وحتى في إسرائيل نفسها، وتخوض مواجهات قانونية وشعبية، وتعزز الحضور الفلسطيني في شوارع العالم في مواجهة مفتوحة مع العنصرية الصهيونية، ومجموعات الضغط النافذة التي تدور في فلكها.

اللقاءات التي تنظمها السلطة مع بقايا اليسار الإسرائيلي، وتستميت في الإبقاء عليها، ستبدو حدثاً يتحرك خارج البوصلة وخارج المعنى في هذا السياق، فكرة اكتسبت سياقها عبر اتفاق أوسلو، ولكنها واصلت التمدد على الطريق مثل جثة زائدة عن الحاجة بعد موت أوسلو ودفنه، وطي صفحته.

أستطيع إعادة القول إنها لقاءات تجري بين جهات فقدت تأثيرها، أو أنها لم تكن، في الأصل، تتمتع بالتأثير في أوساط مجتمعها، وهذا يشمل جانبي اللقاءات الفلسطيني والإسرائيلي، وأذهب أبعد قليلاً لأقول إنها تتحرك داخل حفرة اعتقدت لفترة طويلة أنها عربة بحصانين، وهي لا تكتفي باعتقادها هذا، أو بمحاولة التفريق بين الحفرة والعربة، ولكنها تحاول إقناع المارة والناس، وأصحاب الحوانيت القريبة، وطلاب المدارس الذين يعبرون في الجوار، والنساء الذاهبات إلى "الحسبة" وأسواق الخضار، أن ما يشاهدونه هو عربة بحصانين، وأن الأشخاص الذين يجلسون بثقة هناك، داخل الحفرة، هم ركاب في طريقهم إلى تحقيق أحلام الجميع، بمن فيهم أولئك الذين يحلمون بأشياء أخرى.