الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الجمعة 28 فبراير 2020 / 11:14

أوهام السلطنة تضع أردوغان بمواجهة بوتين في سوريا

غالباً ما اتسمت العلاقات بين روسيا وتركيا بخصومات جيو سياسية، لا تحالفات. وربما يشهد على ذلك التحالف الوليد – الذي يزداد هشاشة- بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، والذي أثار حفيظة حلفاء أنقره في حلف الناتو.

العلاقات الروسية – التركية مثقلة بعبء صراعات جيوسياسية تهدد بتقويضها

ويرى جامي ديتمر، محرر لدى موقع صوت أمريكا الإخباري، أنه إذا تقاتل البلدان حول مصير شمال سوريا، سيكون ذلك في الواقع عودة لعدائهما التاريخي الذي جعلهما يشنان حروباً ضد بعضهما كل مائة عام منذ القرن السادس عشر. واندلعت أولى تلك الحروب في 1569 عندما حاصر الجيش العثماني بلدة أستراخان في دلتا نهر الفولغا، لكن القيصر إيفان الرهيب أجبره على الانسحاب.

هزائم متلاحقة
ويقول مؤرخون إن تركيا انهزمت في كل الحروب المتلاحقة، باستثناء واحدة، من أجل الوصول إلى البحر الأسود، والسيطرة على سهوب أوكرانيا والبلقان. ونتيجة لتلك الهزائم، خسرت تركيا مناطق ونفوذاً. وأدت صدامات في القرن التاسع عشر لانكماش الإمبراطورية العثمانية التي أطلق عليها وصف "رجل أوروبا المريض"، ما سرع في انهيارها.

ويشار إلى انتصار الأتراك فقط في حرب القرم من 1854 إلى 1956 – وذلك إلى حد كبير بدعم تلقوه من فرنسا وبريطانيا رغم ما ما قاله جورج هاميلتون – غوردون، رئيس وزراء بريطانيا في حينه: "أحتقر الأتراك لأني أعتقد أن حكومتهم هي الأكثر شراً وقمعاً في العالم".

المشاعر القومية
ويلفت كاتب المقال لاستفادة قياصرة روس، منهم بطرس الأكبر وكاثرين العظمى، من التراجع العثماني لتعزيز المشاعر القومية البلقانية والسلافية لتوسيع التمدد الروسي في وسط أوروبا والقوقاز. كما انتصر الروس ضد العثمانيين في حرب جرت من 1768 إلى 1774، واستولت موسكو على جزء من مولدافيا والقرم فضلاً عن البونتيك، سهوب قزوين، منطقة واسعة تمتد من الشواطئ الشمالية للبحر الأسود إلى شرق بحر قزوين.

وخرجت روسيا من تلك الحرب كأحد القوى العسكرية الرئيسية في أوروبا. لكن الكاتب يرى أنه إن كان يفترض بالتاريخ أن يجعل أنقره شديدة الحذر في مواجهتها في شمال غرب سوريا لموسكو المسلحة نووياً، ومع قوات الرئيس السوري بشار الأسد، ينبغي أيضاً على قوى غربية القلق بشأن تداعيات محتملة واسعة وطويلة الأمد لما قد يكون صدام القرن الـ 21 العسكري بين روسيا وتركيا.

حريق أكبر
وكتب المؤرخ البريطاني تريفور رويل في كتابه "القرم" إن تلك الصراعات مهدت للحريق الأكبر في 1914، الحرب العالمية الأولى في القرن العشرين. وكما حرب القرم، يرجح أن تهدد الحرب الحالية بين موسكو وأنقره استقرار أوروبا. ويقول محللون إن الحرب بين روسيا وتركيا قد تضع الناتو أمام معضلة صعبة وفاصلة.

ويقول المحللون إنه يحتمل أن تستدعي أنقره مبدأ الدفاع الجماعي المنصوص عليه في المادة الخامسة من معاهدة تأسيس حلف الناتو. وتنص المادة على اعتبار الحلف أي هجوم ضد عضو هجوماً على جميع الأعضاء.

ولكن الكاتب يلفت لشكوك سادت في السنوات الأخيرة بشأن التزام أعضاء في الناتو بالمادة الخامسة، ما خلف سحابة من الغموض حيال مبدأ الدفاع الجماعي. كما شكك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أحياناً بشأن ما إذا كان مستعداً لتطبيق المادة الخامسة، لا سيما في قمة حلف الناتو في 2017، عندما امتنع صراحة عن تأييد مبدأ المساعدة المتبادل.

وحسب الكاتب، لم يكن ترامب الزعيم الغربي الوحيد الذي شكك في المادة الخامسة، والتي استدعيت مرة واحدة فقط، في عام 2001 بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية. فقد بدا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أقل حماسة بشأن تعهد الدفاع الجماعي. وعندما سئل في لقاء مع مجلة "إيكونوميست" البريطانية عما إذا يعتقد بفعالية المادة الخامسة، أجاب: "لا أدري ٠٠٠ لكن ما ذا ستعنيه المادة الخامسة يوم غد؟".

تهديد
ويلفت محللون إلى أن أنقره تهدد بفتح بوابات اللجوء مرة ثانية، إذا أخفق الناتو في الدفاع عن تركيا، ما يفرض مزيداً من الضغوط على تضامن الاتحاد الأوروبي. لكن ليست هناك حماسة قوية عند قادة أوروبا لدعم أردوغان، والذي عمل على انحراف تركيا نحو حكم تسلطي، ولعب دوراً في تأليب أوروبا على روسيا والعكس صحيح، من أجل الحصول على ما يريد.

إلى ذلك، لم تفاجئ التوترات المتصاعدة بين موسكو وأنقره جوناثان شانزر، محلل لدى مركز الدفاع عن الديمقراطيات، مركز أبحاث في واشنطن. فقد قال قبل شهر، ضمن لقاء مع صوت أمريكا، إن العلاقات الروسية – التركية مثقلة بعبء صراعات جيوسياسية تهدد بتقويضها.

وأضاف "تقرب الأتراك من الروس، رغم تناقض رؤيتي الجانبين بشأن سوريا". وحذر من خطر انهيار تلك العلاقة الوليدة بسبب الطموحات الجيو سياسية للاعبين الرئيسيين، بوتين وأردوغان، في ظل سعي أحدهما لإحياء روسيا كقوة عظمى، وتصور الثاني لإمكانية إحياء المجد العثماني.