مسجد هالة سلطان في قبرص التركية.(أرشيف)
مسجد هالة سلطان في قبرص التركية.(أرشيف)
الجمعة 28 فبراير 2020 / 13:57

أردوغان ينفّر أيضاً القبارصة الأتراك

نشر تركي تغريدة على "تويتر" تعكس بشكل مثير للشفقة جنوح بعض الأتراك في سعيهم اللامتناهي لإثارة حروب مع باقي أرجاء العالم، إذ كتب: "يجب أن نقصف القبارصة الأتراك لنظهر للعالم كم نحن أمة مضطربة المشاعر. وعلى العالم أن يعلم كيف يمكن لأتراك مجانين أن يعاملوا آخرين إذا أساؤوا التعامل مع وطنهم الصغير".

منذ 2002، عندما تسلم حزب أردوغان العدالة والتنمية السلطة، إلى عام 2016، بنت أنقره ما لا يقل عن 39 مسجداً جديداً في القسم التركي من قبرص( لا يزيد عدد سكانه عن 326 ألف نسمة)

ويلفت براق بيكدل، محلل سياسي وزميل لدى "منتدى الشرق الأوسط" إلى أن "قبرص التركية" المعلنة من جانب واحد والتي لا تعترف بها إلا أنقرة، تعرف أيضاً بين الأتراك باسم "الوطن الصغير". ومنذ غزو تركيا للثلث الشمالي من الجزيرة عام 1974، رداً على انقلاب القبارصة اليونانيين الذين سعوا لضم جزيرة قبرص إلى اليونان، أصبحت "القضية القبرصية" رمزاً للتعبير عن المشاعر العسكرية والقومية التركية.

موطن أفروديت
وحسب كاتب المقال، لقبرص، موطن الالهة أفروديت و" جزيرة الليمون المر"، ماضٍ قديم من الغزوات وعمليات الاستحواذ والصراع الطائفي. فقد استولى العثمانيون عليها عام 1571، وجعلوها إحدى مستعمراتهم حتى 1878، عندما وصل الجيش الروسي الغازي إلى ضواحي إسطنبول. واتهم أتراك غاضبون السلطان عبد الحميد الثاني بأنه مسؤول عن قرب انهيار إمبراطوريتهم. وأوشك العثمانيون الجدد على تنفيذ انقلاب ضد "السلطان الأحمر" الذي طلب مساعدة البريطانيين لإنقاذ حكمه. ووافقت بريطانيا على حماية السلطان ومساعدة العثمانيين ضد الجيش الروسي الغازي، لكن بشرط: ترك قبرص للإمبراطورية البريطانية. وذلك ما قبلت به الحكومة المريضة في اسطنبول، في 1878.

وبموجب معاهدة لوزان لعام 1923، اعترفت الحكومة التركية العلمانية الجديدة رسمياً بالهيمنة البريطانية على قبرص. وفي عام 1938، حظرت تركيا منح الجنسية لقبارصة أتراك من أجل منع انكماش الجالية التركية في الجزيرة. وفي الخمسينات والستينات، أجبرت مشاعر قومية شديدة بشأن مصير القبارصة الأتراك الحكومة التركية على إعادة التفكير بسياستها السلمية حيال قبرص. وأشعلت صدامات عرقية عنيفة وقعت عامي 1963 و1964 موجة جديدة من المشاعر القومية لدى الأتراك والقبارصة الأتراك، وناصرت تقسيم الجزيرة وفق حدود تركية ويونانية. وعام 1974، غزت تركيا الثلث الشمالي من الجزيرة. واليوم تعتبر نيقوسيا، عاصمة قبرص، العاصمة الوحيدة المقسمة في أوروبا.

أكينجي
ولكن، في 6 فبراير(شباط) عبر مصطفى آكينجي، رئيس جمهورية جمهرية شمال قبرص التركية ، في لقاء مع صحيفة ذا غارديان، عن قلق ساور أيضاً عدداً من الساسة القبارصة الأتراك. وقال أكينجي، اشتراكي يحمل شهادة من جامعة مرموقة في أنقره، إنه يدعم إعادة توحيد الجزيرة تحت "سقف فيديرالي". وإذا لم يتحقق هذا الأمر، قال أكينجي إن شمال قبرص سوف تصبح أكثر اعتماداً على أنقره، وقد ينتهي الأمر لأن يتم ابتلاعها كولاية تركية فعلية.
وقال زعيم القبارصة الأتراك إنه لا مشكلة لدية مع تعبير"الأم والطفل"، ولكنه يفضل علاقات أخوية مستقلة مع أنقره.

وأما الأتراك فهم يعتبرون أن تركيا الوطن الأم وأن قبرص "الوطن الصغير". وحذر أكينجي من النفوذ التركي واقترح ما هو أفضل: علاقات أخوة بين دولتين مستقلتين.

أبواب جهنم
وفي حينه، اعتبرت أنقره أن أكينجي أشبه بمن فتح عليه أبواب جهنم. فقد قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن "كلمات أكينجي(التي شبهت احتمال ضم قبرص إلى تركيا بغزو روسيا لإقليم القرم) كانت "مؤسفة للغاية". أما داعم أردوغان، دولت بهجلي، قومي متشدد، فقد وصف أكينجي بأنه "خائن"، واتهمه بـ"التصرف مثل القبارصة اليونانيين". وقال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو: "لم أتعامل قط مع سياسي كهذا لا يمكن الاعتماد عليه".

أسلمة المجتمع
ويرى كاتب المقال أن ما يكمن خلف الخصومة بين تركيا وقبرص التركية هو نفس السبب الذي جعل أردوغان على خلاف مع أكثر من نصف المجتمع التركي: مساع حكومية تركية منتظمة لأسلمة المجتمع.

ويشار إلى أنه منذ 2002، عندما تسلم حزب أردوغان العدالة والتنمية السلطة، إلى 2016، بنت أنقره ما لا يقل عن 39 مسجداً جديداً في القسم التركي من قبرص(لا يزيد عدد سكانه عن 326 ألف نسمة) بما فيها مسجد هالا سلطان في نيقوسيا، والذي يضم مجمعاً يتسع لـ 3000 فرد.

 فيما لن يقدم أردوغان وأنصاره الإسلاميون على قصف "وطنهم الصغير" جنوب تركيا، سيترتب عن أسلمته الزاحفة إلى شمال قبرص احتمال "انفصال الأم عن طفلها" إلى الأبد.