صينيات في بكين (أرشيف)
صينيات في بكين (أرشيف)
الجمعة 28 فبراير 2020 / 20:09

كورونا ... ونظرية المؤامرة

بعد أقل من أسبوعين على بدء تداول أخبار كورونا فاجأني صديق مثقف بقوله في جلسة بحضور مجموعة من المثقفين والسياسيين، إن هذا الفيروس هو صناعة أمريكية الهدف منه تدمير الاقتصاد الصيني، الذي ينافس الاقتصاد الأمريكي ويعيق نموه.

العقل العربي يؤمن بدرجة كبيرة جداً بنظرية المؤامرة وهناك ما يفسر ويبرر ذلك وبخاصة في حصول مؤامرتين كبيرتين في تاريخ العرب الحديث، الاولى وهي وعد بلفور المشؤوم، أما المؤامرة الثانية فهي اتفاق سايكس بيكو

مباشرة سألته كيف عرفت ذلك، فأجاب المنطق يقول ذلك!.

فعدت وسألته هل هناك من يضمن أن هذا الفيروس لا ينتقل إلى أمريكا، أو أوروبا، أم هو مصمم للصين والصينيين فقط؟، فأجاب معلوماتي تقول نعم، إنه مصمم للحالة الصينية تحديداً، دون بقية أبناء الجنس الأصفر، أو الأجناس البشرية الأخرى.

لقد كان هذا الكلام مثيراً للاستغراب والاستهجان، وكان الحضور بشكل عام غير مؤيد للمعلومات التي أدلى بها صديقنا غير أنهم لا يملكون الدليل العلمي لدحض افتراضه أو نظريته أو معلوماته.

وجرى الاتفاق لدى الحضور على أن نظرية الصديق المثيرة للجدل ستُدحض تلقائياً في حال انتقال فيروس كورونا لإنسان آخر غير صيني. وما هي إلا أيام قليلة حتى بدأ الفيروس في الانتشار إلى خارج الصين، ولأجناس "صفراء"، وأوروبية، وآسيوية وغيرها فدحضت بذلك نظرية صديقنا أو بدقة أكثر كُذبت.

بعد هذه الواقعة بشهر تقريباً، أرسل لي ذات الصديق معلومات عن رواية "عيون الظلام " للكاتب الأمريكي دين كونتز The Eyes of Darkness، والتي صدرت في 1981، وشخصياً لم أسمع بها من قبل، وأرسلها صديقي المشار إليه لمحاولة إثبات جزء مما سبق أن طرحه عن الافتراض بأن كورونا هو فيروس مصنع وجزء من مؤامرة أمريكية على الاقتصاد الصيني، أو هو فيروس مصنع من حيث الأصل.

وبالعودة إلى رواية "عيون الظلام"  نجد أن هناك تشابهاً في مسألتين بين الرواية، والوقائع الحالية، 
 الأولى، وجود فيروس قاتل وسريع وسهل الانتشار بين الناس واسمه في الرواية "وهان 400".

والثانية، أن الفيروس مصدره مدينة "ووهان" الصينية وليس أي مكان آخر.

العقل العربي يؤمن بدرجة كبيرة جداً بنظرية المؤامرة، وهناك ما يفسر ويبرر ذلك، خاصةً في ظل مؤامرتين كبيرتين في تاريخ العرب الحديث، الأولى وهي وعد بلفور المشؤوم، أما الثانية فهي اتفاق سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا، والذي فضحته الثورة البلشفية في روسيا ضد النظام القيصري.

ومع هذه الخلفية فلا أعتقد أن روائياً كتب روايته في 1981 يستطيع "بالخيال" أو بالمعلومات المتوفرة، وقتذاك التوصل إلى وقائع متطابقة مع "الواقع" الحقيقي، وهنا يتدخل المنطق في حسم الأمر بأن القصة برمتها لا تخلو من "الصدفة".

ففي مجريات الحياة الصاخبة أو الهادئة، هناك الكثير من الأحداث صنعتها الصدفة البحتة، أو ما يسمى مجازاً بـ"قانون الصدفة"، وهو قانون كان ولا يزال محط جدل ونقاش بين المدرسة الدينية في تفسير قوانين الحياة، أو المدرسة اللادينية في تفسيرها، وهما مدرستان تحاولان تفسير أحداث كثيرة مبهمة ومعقدة في حياة الإنسان، على أرضية التصادم بين الصدفة المحضة وبين الصدفة التي قررها الخالق، والتي يمكن تسميتها بالقضاء والقدر.

وفي قصة رواية "عيون الظلام" اختُرع وهان 400، وهو اختراع أنتجته الصدفة المتحالفة مع بعض المعلومات الواقعية مضافاً إليهما الخيال العلمي، وهو تحالف يحدث في أي مكان وأي زمان، إلا أن الحاجة إليه تكون بوجود "العقل القاتل" الذي يخلو من المشاعر والقيم الإنسانية، وهو العقل الذي يحكم ويتحكم في الأنظمة الاستبدادية، أو الدول التي باتت تعرف بـ"الراسمالية المتوحشة أو الصناعية المتوحشة".