الثلاثاء 3 مارس 2020 / 11:45

الاشتباكات التركية الروسية تهدد مستقبل أردوغان السياسي

كتب زئيفي بارئيل، مراسل صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أن الاشتباكات التركية الروسية تهدد المستقبل السياسي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في ظل أكبر خسائر في الأرواح منذ غزو القوات التركية لسوريا، الأمر الذي قد يثير عاصفة سياسية في تركيا، بينما يحاول أردوغان منع انهيار تحالفه مع روسيا.

شعر المواطنون والمشرعون الأتراك بغضب شديد بسبب عجز بلادهم عن نقل جنودها الجرحى من سوريا لأن روسيا أعلنت منطقة حظر طيران للطائرات التركية

وشهد شهر فبراير (شباط) الماضي مقتل 50 جندياً تركياً في الاشتباكات مع الجيش السوري، بينهم 36 قُتلوا يوم الخميس الماضي، في غارة جوية روسية وقصف سوري.

التحالف على وشك الانهيار
ويعتبر بارئيل أن التحالف التركي الروسي الذي يدير الحملة في شمال سوريا على وشك الانهيار، فقد اتهمت أنقرة موسكو بالمسؤولية عن قتل جنودها، وردت روسيا بأنه لا سبب لوجود القوات التركية هناك، الذي لم يُنسق معها، ونفت تركيا ذلك بشدة وادعت أن الروس يعلمون جيداً بوجود قواتها.

وهدد أردوغان بضرب الجيش السوري في كل مكان بغض النظر عن حدود إدلب، إذا أصيب جنود أتراك آخرون. ولكنه أدرك يوم الخميس الاضي، أن عليه إعادة النظر في سياساته تجاه روسيا، لأن الصدام المباشر مع القوات الروسية، بات أكثر خطورة.

وبعد مكالمة هاتفية عاجلة بين أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، أفاد بيان مشترك بأن الجانبين سيعمدان إلى تهدئة التوترات وتقليل النشاط العسكري، بيد أن الاجتماع الذي يسعى إليه أردوغان مع بوتين منذ الاشتباكات في إدلب، لم يُعقد حتى الآن.

ويُشير المراسل إلى أن أردوغان طلب من روسيا يوم الأحد الابتعاد، والسماح لتركيا بالاشتباك مع الجيش السوري بشكل مباشر. وفي اليوم ذاته، أسقطت أنقرة طائرتين حربيتين سوريتين، وقصفت مطار حلب.

وفي المقابل أسقط الجيش السوري ثلاث طائرات تركية دون طيار، ما أدى إلى تصاعد سريع للتوترات.

دعم دبلوماسي أمريكي غير كافٍ
ويقول المراسل: "يرى أردوغان أن الدعم الدبلوماسي من واشنطن ليس كافياً، وطالبت أنقرة باعتبارها عضواً في الناتو، الولايات المتحدة بتزويدها بصواريخ باتريوت، وفي الوقت نفسه طالب أردوغان أيضاً بأن يسمح له بوتين بشن حملة ضد الجيش السوري دون تدخل. أما بالنسبة لأوروبا، وكما هو معتاد يهدد أردوغان بفتح بوابات تركيا لملايين اللاجئين في بلاده الذين يرغبون في الاتجاه غرباً إلى أوروبا".

وبحسب تقارير تركية، يتجمع عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين في المعابر والموانئ البحرية للعبور إلى اليونان. ورغم تأكيدات المسؤولين الأتراك بالتزام أنقرة بشروط الاتفاقيات التي وقعتها مع الاتحاد الأوروبي في 2016، ومنع خروج اللاجئين، إلا أن أردوغان أصدر أوامره بالفعل بفتح بوابات البلاد، حتى يستجيب الاتحاد الأوروبي لمطالبه بإضافة قرابة 3.5 مليارات دولار، لتمويل إقامة اللاجئين في تركيا، فضلاً عن المبلغ السابق وقدره 6 مليارات دولار الذي حصلت عليه أنقرة فعلاً.

الضغوط في الداخل
وعلى جانب آخر، تتصاعد الضغوط في تركيا لإعادة الجنود إلى الوطن ووقف التدخل العسكري في سوريا. وفي الأسبوع الماضي، وقع قرابة 140 مثقفاً وفناناً عريضة قالت إن "البلاد وصلت إلى طريق مسدود وأن أبناء الوطن يموتون في معركة مجبرون على خوضها في بلد آخر، وتضررت سمعة البلاد أمام المجتمع الدولي وأصبحت تُستخدم بيدقاً إمبريالياً وراعياً للإرهاب الديني".

ويلفت المراسل إلى المقالات المنشورة على مواقع المعارضة التركية التي توضح كيفية استغلال الحرب في سوريا لصرف الانتباه عن الأزمة الاقتصادية الخطيرة التي تشهدها تركيا، ولكنها ليست كافية لدفع أردوغان لتغيير سياسته.

والواقع أن تركيا فرضت قيوداً على الوصول لوسائل التواصل الاجتماعي يوم الخميس الماضي، لمنع الاحتجاجات المحتملة.

وعلى المستوى المحلي، تُعد الخلافات السياسية الداخلية في حزب العدالة والتنمية، الحزب الحاكم، أكثر ما يصيب أردوغان بالقلق، خاصةً مع فقدان الحزب لعشرات الآلاف من الأعضاء الذين انضموا إلى أحزاب منافسة، وذلك حسب التقارير الواردة من المعارضة التركية، إلى جانب تأسيس حزبين جديدين برئاسة كبار المسؤولين السابقين في حزب العدالة والتنمية.
  
أردوغان لم يف بوعوده
ويلفت الكاتب إلى أن أحزاب المعارضة التركية اتهمت أردوغان بتجاوز البرلمان، وشن الحرب في سوريا لصالح حزبه. ويطالب عدد من زعماء المعارضة الآن بوقف الحملة العسكرية والتفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد للتوصل إلى اتفاق يسمح للقوات التركية بالانسحاب.

وترى المعارضة أن أردوغان لم يف بوعوده بحماية وحدة سوريا أو طرد الجماعات الإرهابية من الطرق السريعة الرئيسية التي تربط إدلب بتركيا، وحتى الاتفاق الذي وقعه مع روسيا لإقامة "منطقة آمنة" في شمال سوريا لم يحافظ عليه.

ويقول المراسل: "شعر المواطنون والمشرعون الأتراك بغضب شديد بسبب عجز بلادهم عن نقل جنودها الجرحى من سوريا، لأن روسيا أعلنت منطقةً لحظر طيران للطائرات التركية، ولم يكن أمام أنقرة سوى نقلهم بالسيارات على الطرق الوعرة المؤدية إلى تركيا".

معضلة المصالح المتضاربة
ويضيف المراسل أن أحزاب المعارضة والنشطاء اتخذوا موقفاً "وطنياً" وأعربوا عن تعازيهم لعائلات الجنود الذين قُتلوا، ولكن يبدو أن الحادث، وهو الأخطر منذ غزو القوات التركية لسوريا، قد يثير عاصفة سياسية هذا الأسبوع. ولكن أردوغان يعرف جيداً كيف يتغلب على الألغام السياسية الداخلية، ولاتزال قاعدته قوية، خاصةً أن تركيا لن تشهد انتخابات برلمانية، إلا بعد ثلاثة أعوام.

ويخلص تقرير "هآرتس" إلى أن روسيا تبدو المعضلة الأكبر عند أردوغان لأنها لن تتحرك من سوريا ولن يسمح أردوغان لنفسه بالانزلاق إلى الاشتباك مع الكرملين، ليس فقط بسبب سوريا، وإنما أيضاً بسبب اعتماد تركيا الاقتصادي على موسكو.

ويختتم المراسل قائلاً: "كيف يمكن التوفيق بين تطلعات أردوغان العسكرية والسياسة في سوريا ومعارضة روسيا القوية؟ أظهر أردوغان بعض التراجع المثير للإعجاب في الماضي، ولكن يبدو أنه يحتاج إلى إظهار هذه المرونة مرة أخرى".