الثلاثاء 3 مارس 2020 / 12:13

أردوغان يحصد ما زرعه...تركيا على شفير كارثة في سوريا

شدد الكاتب السياسي سايمون تيسدال في تعليقه السياسي بصحيفة "ذا غارديان" البريطانية على أن القادة المتسلطين والخارجين عن السيطرة مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يظنون أنهم يعرفون كل الأمور أفضل من غيرهم. وهذه الغطرسة هي التي دفعت أردوغان وتركيا نحو شفير الكارثة بعد تسعة أعوام من التهديدات الصاخبة، والحروب بالوكالة، والتدخل العسكري المباشر.

ما يحصل اليوم في شمال غرب سوريا لم يعد حرب وكالة بل مواجهة مباشرة بين دولتين جارتين مسلحتين بقوة

لكن أردوغان معزول الآن، وعلى تناقض شديد مع لاعبين بارزين آخرين في سوريا.

بعد إرسال 7000 جندي وعربة مدرعة إضافية إلى إدلب في الشهر الماضي لتعزيز قوة مراكز المراقبة العسكرية، غرقت تركيا في حرب مفتوحة ضد الجيش السوري، وهاجمت المطارات ومراكز الرادارات، وراء الخطوط الأمامية. وأعلنت كل "عناصر" النظام أهدافاً مشروعةً.

في 2011، بعد اندلاع الانتفاضة والقمع السورية لها، رمى أردوغان بثقله خلف الثوار بمن فيهم الإسلامويين.

الحقيقة مختلفة
أضاف تيسدال، أن ما يحصل اليوم في شمال غرب سوريا لم يعد حرباً بالوكالة بل مواجهة مباشرة بين دولتين جارتين مسلحتين، ويهدد بجر تركيا أكثر إلى نزاع عسكري مع روسيا، الحليفة الأساسية للأسد.

ويواصل المتحدثون باسم أردوغان والإعلام الموالي للحكومة تأكيد أن مسؤولية كارثة الخميس الماضي، حين قُتل 33 جندياً تركياً في هجوم على قافلتهم في إدلب، تقع على النظام السوري. ورغم أنه يصعب معرفة الوقائع بالنظر إلى قمع أردوغان للصحافة المستقلة، لكن يبدو أن الحقيقة مختلفة جداً.

موسكو ترفض طلب أنقرة
يمكن أن تكون حصيلة القتلى قد وصلت إلى 55 وفقاً للمحلل العسكري متين غورجان. وتتحدث تقارير محلية عن سقوط 100 قتيل.

ويظهر أيضاً أن غالبية القتلى لم تسقط بسبب قصف متعمد من مقاتلات سورية بل بفعل غارات جوية روسية متابِعة. امتنع أردوغان عن لوم روسيا، وأنكر الكرملين بوضوح أي مسؤولية. لكن تتابع الأحداث الخميس الماضي، والتي بدأت بهجمات تركية على طائرات روسية تحلق فوق جنوب إدلب، يفترض العكس.

وهدد القصف التركي الذي استخدم أيضاً أنظمة الدفاع الجوي المحمولة، قاعدة حميميم الخارجية. يبدو أن القادة الروس الغاضبين، أو ربما الأوامر الآتية من موسكو، رسموا خطاً أحمر بعد أسابيع من النزاع الفتاك. ضربت القافلة التركية في وقت متأخر من بعد ظهر اليوم نفسه.

وفي الساعات التي تلت ذلك، ومع حاجة الجنود الأتراك الجرحى الماسة للمساعدة الطبية، رفضت موسكو طلب أنقرة بفتح المجال الجوي فوق إدلب، لإتمام الإجلاء، وفق غورجان.

درس بوتين القاسي
يرى تيسدال أنه إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ينوي تلقين أردوغان درساً قاسياً، فيبدو أنه نجح في ذلك، إذ  يعلق أردوغان الآن آماله على لقاء ثنائي مع نظيره الروسي لتفادي صدامات مكلفة لا تستطيع تركيا الفوز بها.

سيسافر أردوغان الخميس إلى موسكو بحثاً عن وقف لإطلاق النار بعدما وافق بوتين على تخصيص وقت له. لكن قد لا يكون الرئيس الروسي في مزاج يسمح بالتراجع.

فهو يريد بشدة إنهاء الحرب السورية التي انخرط فيها جيشه منذ خمسة أعوام تقريباً وبكلفة مالية وبشرية ملحوظة. ويريد تحقيق النصر في إدلب من أجل الأسد، ومن أجل السياسات الروسية الإقليمية التوسعية. ويسعى بوتين أيضاً إلى إعلان انتصار استراتيجي بارز على حساب الغرب، خاصةً الولايات المتحدة.

ثمن
إن ثمن الذي يطلبه بوتين لإخراج أردوغان من المأزق قد يكون انسحاباً تركياً كاملاً أو جزئياً من إدلب وأيضاً من الأراضي السورية المحتلة من تركيا في غرب الفرات ومن المناطق التي كان يسيطر عليها الأكراد شمال شرق البلاد قبل اجتياحها من أنقرة في الخريف الماضي.

لدى أردوغان فكرة لم تكن يوماً عملية عن الاحتفاظ بمناطق آمنة شبه دائمة داخل سوريا، التي يُمكن  لللاجئين العودة إليها. لكن هذه الفكرة في طور الموت، كما يؤكد تيسدال.

استراتيجية من قش
تعرض هذا الضعف الأساسي في استراتيجية بيت القش التي يتبعها أردوغان إلى مزيد من الانكشاف بعد عجز المتطرفين الإسلامويين الذين يدعمهم على مقاومة التقدم السوري والروسي.

وساهم في ذلك أيضاً رفض الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مساعدته بأي طريقة ذات معنى.
 
ومجدداً، يجني أردوغان ثمار ما زرعه، بعد أن سخر وانتقد تكراراً الحلف الأطلسي والولايات المتحدة والقادة الأوروبيين، بعبارات لاذعة ومزدرية، واشترى منظومة أس-400 الروسية رغم اعتراضات أمريكية قوية. وعرض للخطر جهود الغرب في مواجهة داعش بشن حرب ضد الأكراد في سوريا. وحاول استخدام أزمة اللاجئين السوريين سلاحاً ليُخضع الأوروبيين لمشيئته.

لا يمكن ترك إرساء السلام لأردوغان

أثبتت تكتيكات أردوغان العدوانية والغاضبة أنها فاشلة. وطالب الكاتب الغرب في النهاية بتحمل المسؤولية والتدخل مباشرة في أزمة إدلب لحماية المدنيين، ووقف الحرب والسعي نحو إرساء سلام، مشدداً على أن ترك هذا الأمر لأردوغان لن ينجح أبداً.

وأضاف أن أمام الديموقراطيات الغربية فرصة أخيرة لفعل الصواب، بصياغة وفرض تسوية عادلة ومستدامة، والطلب من بوتين ومقاتلاته العودة إلى ديارهم.