ملصقات انتخابية في إسرائيل.(أرشيف)
ملصقات انتخابية في إسرائيل.(أرشيف)
الأحد 8 مارس 2020 / 19:24

بعد الجولة الثالثة.. المأزق على حاله

تعترض كل مفاوضات محتملة، في هذا الشأن، أنا نتانياهو المتضخمة، وحقيقة أن "رأسه" قد يكون ثمن التحالف بين الجانبين

شرعت الشرطة الإسرائيلية، صباح اليوم الأحد، في تعزيز إجراءات الحراسة الخاصة بعدد من كبار المسؤولين في تكتل أبيض ـ أزرق، وعلى رأسهم غانتس، بعدما أصبحوا في الأيام القليلة الماضية، هدفاً لحملة تحريض، على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي، تنطوي مباشرة، ومداورة، على التهديد بالقتل. ولم تغب دلالة هذا الأمر عن غانتس نفسه، الذي حذّر منه بالقول: "إذا لم نستيقظ، فإن الاغتيال السياسي القادم سيكون قاب قوسين أو أدنى".

ولم يجد مراقبو المشهد السياسي الإسرائيلي، أيضاً، صعوبة خاصة في الربط بين حملة التحريض الحالية، والحملة التي سبقت اغتيال رئيس الوزراء اسحق رابين، في شتاء العام 1995. فقبل خمسة وعشرين عاماً حمل محتجون صوراً مركّبة لرابين معتمراً الكوفية الفلسطينية كدليل على خيانته للدولة والشعب. وفي الوقت الحالي، يُروّج أنصار نتانياهو، عبر منصّات إعلامية مختلفة، صوراً مركّبة لغانتس، وبيليد ويعلون، قادة تكتل أبيض ـ أزرق، وليبرمان، زعيم "إسرائيل بيتنا"، وعلى رؤوسهم كوفيات فلسطينية، كدليل على الخيانة.

والواقع أن توظيف موضوع "الخوف من العرب"، واتهام المعارضين ب"النوم في معسكر العدو" يُعتبر مكوّناً عضوياً في استراتيجية نتانياهو الانتخابية، وسياساته الشعبوية. فقد كان من أبرز مهندسي حملة التحريض، ضد اتفاقيات أوسلو، التي انتهت باغتيال رابين. كما حذّر من "تدفّق" العرب إلى صناديق الاقتراع، تصريحاً وتلميحاً، في كل الحملات الانتخابية اللاحقة، لتحريض أنصار اليمين على المشاركة في الانتخابات، ومنحه أصواتهم. وفي الانتخابات الأخيرة، قبل أيام، نشر أنصاره رسوماً كاريكاتورية لغانتس محمولاً على ظهر أحمد الطيبي، أحد قادة "القائمة المشتركة" العربية.

وبقدر ما يتعلّق الأمر بآخر تجليات التحريض، في القليلة الماضية، فهي وثيقة الصلة بما نجم عن نتائج الجولة الانتخابية الثالثة، التي انتهت قبل أيام، من شلل يعيد التذكير بنتائج جولتين سابقتين. فعلى الرغم من نجاح نتانياهو في انتزاع بضعة مقاعد إضافية أكثر مما حصل عليه في جولة سبقت، إلا أنه ما زال عاجزاً، هو وحلفاؤه، عن الحصول على أغلبية 61 عضواً تمكنهم من تشكيل الحكومة.
حدث كثير من الصخب الدعائي مع بداية فرز الأصوات، في الجولة الأخيرة. وتصرّف نتانياهو بقدر كبير من المبالغة. ومع ذلك، فإن فرصته في تشكيل الحكومة، هذه المرّة، لا تبدو أفضل مما كانت عليه في المرتين السابقتين. ورهانه، في الوقت الحاضر، يتمثل في استمالة ثلاثة أعضاء من خارج معسكر حلفائه في اليمين.

وبالقدر نفسه، يعاني خصوم نتانياهو في معسكر يمين ويسار الوسط من المأزق نفسه، إذ يمكنهم تشكيل حكومة أقلية، فقط، إذا ضمنوا دعم حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة ليبرمان، و"القائمة المشتركة" بزعامة أيمن عودة وأحمد الطيبي، دون مشاركة الأحزاب والقوائم المعنية في الحكومة. وهذا يستدعي مفاوضات شاقة، وغير مضمونة النتائج حتى الآن.

لذا، وعلى الرغم من رفض مختلف التكتلات الانتخابية لفكرة الذهاب إلى جولة انتخابية رابعة، إلا إن معضلة الفشل في تشكيل الحكومة، بعد الجولة الثالثة ما زالت ماثلة للعيان. وما طُرح من سيناريوهات للخروج من المأزق في جولات سبقت ما زال مُتداولاً حتى الآن. فليبرمان هو "بيضة القبّان" في التنافس بين نتانياهو ومعارضيه، ومَنْ ينجح في استمالته تزداد فرصته في الحصول على أغلبية. والمُلاحظ أن ليبرمان يزداد تشدداً في موقفه من نتانياهو، ولا يبدي في الوقت نفسه ميلاً واضحاً لدعم حكومة بزعامة غانتس، خاصة إذا حصل الأخير على دعم "القائمة المشتركة".

ولعل أبرز ما أفرزته الجولة الانتخابية الأخيرة يتمثل في صعود الصوت العربي، و"القائمة المشتركة" كعامل حاسم في لعبة السياسة الإسرائيلية، وتوازنات ومناورات تشكيل الحكومة. فالأحزاب الصهيونية ترفض مشاركة هؤلاء، والاستعانة بهم، والاعتماد عليهم، في تشكيل الحكومات. ومع ذلك، لن يتمكن غانتس من تشكيل حكومة أقلية بدون دعمهم حتى وإن ظلوا خارج التشكيلة الحكومية.

ولا يبدو من السابق لأوانه، في الوقت الحاضر، القول إن صعود "القائمة المشتركة" يخلق ظروفاً موضوعية لإعادة هيكلة الحقل السياسي الإسرائيلي بطريقة جديدة، فمقابل ما يتجلى من استنكاف إزاء مشاركة هؤلاء والاستعانة بهم، تربط أصوات من الليبراليين واليساريين الإسرائيليين بين "القضاء" على تركة نتانياهو العنصرية، وبين دمج العرب من مواطني الدولة الإسرائيلية في الحياة السياسية بصورة كاملة. ولا نعرف، بعد، التطوّرات المحتملة لهذا الموضوع.

أخيراً، ثمة من يعتقد أن مخرج نتانياهو وغانتس يتمثل في توحيد القوى، وتشكيل حكومة ائتلافية، دون الحاجة لليبرمان و"القائمة المشتركة"، واليسار. يبدو هذا الحل، الذي طرح في الجولتين السابقتين، أيضاً، "مغرياً" بالنسبة للكثيرين. ومع ذلك، تعترض كل مفاوضات محتملة، في هذا الشأن، أنا نتانياهو المتضخمة، وحقيقة أن "رأسه" قد يكون ثمن التحالف بين الجانبين.

والخلاصة، انسداد الأفق على حاله. والرهانات على حالها، والتوقعات، أيضاً، حتى الآن على الأقل.