محلات تجارية مغلقة في صور اللبنانية (أرشيف)
محلات تجارية مغلقة في صور اللبنانية (أرشيف)
الخميس 12 مارس 2020 / 20:35

اقتصاد لبنان الغارق في الدين والمتعطش للدولارات ينحدر سريعاً

ظل حسن حمدان يستورد إمدادات طبية من الخارج في لبنان 20 عاماً لكنه اضطر لإغلاق شركته في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فالمبيعات كانت في تراجع والزبائن لا يقدرون على الدفع، كما نضب معين الدولارات التي يحتاجها لشراء الواردات.

والآن أصبح يعمل سائقاً لحساب شركة أوبر.

اتجهت شركات مثل شركة حمدان، لإغلاق أبوابها بوتيرة سريعة منذ أن تسببت أزمة مالية في توقف قطاع كبير من الاقتصاد اللبناني. 

وقال حمدان: "الكل مدين حتى أنا بسبب ما يحصل. لكني قادر على جلب الطعام للبيت، وسداد بضعة فواتير. ولولا أوبر لكنت استجدي".

وفي حين أن لبنان لا يصدر بيانات اقتصادية مهمة حديثة تذكر، ترسم لقاءات مع أكثر من 20 من أصحاب الشركات، والقيادات النقابية، والاتحادات الصناعية، والتجار صورة لأزمة اقتصادية ومالية لا مثيل لها منذ ما قبل استقلال البلاد في 1943.

ويبين مسح في فبراير (شباط) الماضي، أن أكثر من 220 ألف عامل فقدوا وظائفهم في القطاع الخاص منذ منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما تفجرت مظاهرات، غذتها الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، احتجاجا على النخب السياسية.

وقال المدير العام بشركة "إنفوبرو" رمزي الحافظ: "هذه كارثة اجتماعية. فهذا أكبر هبوط دفعة واحدة منذ نهاية الحرب الأهلية، ولا نهاية تلوح في الأفق. هذه أزمة مفتوحة".

واستغنت الفنادق عن خُمس العاملين فيها، وهي التي تعد من المحركات التقليدية للاقتصاد وفي مدينة صيدا الجنوبية، أغلق 20% من المتاجر أبوابه.

وتعد الخسائر في الوظائف منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لطمة كبرى لقوة العمل في لبنان التي قدرت منظمة العمل الدولية أنها مؤلفة من 1.59 مليون فرد في تقريرها عن 2019.

ويقول مستوردو السلع الأساسية مثل الإمدادات الطبية، إن طلباتهم للحصول على الدولار، لم تلب بالكامل تقريبا منذ فبراير (شباط) الماضي، الأمر الذي أدى إلى انخفاض خطير في كل شيء بالمستشفيات من دعامات القلب، إلى معدات غسل الكلى.

وقال محمد سكر الذي يملك شركة للمقاولات: "كل الشغل توقف تقريباً. نحن عاجزون عن عمل أي شيء". وتجمد نشاطه بين البنوك التي لا تسدد شيكاته والموردين المطالبين بالدفع بالدولار الذي يعجز عن الحصول عليه. وقال سكر: "اضطررنا لوقف كل أعمالنا ولا نقبل أي عمل جديد".

وتعرضت الشركات المتضررة لضربة جديدة هذا الأسبوع، بعد أن أمرت الحكومة المراكز التجارية، والمطاعم، وغيرها بإغلاق أبوابها لوقف انتشار فيروس كورونا، وأوقفت الرحلات الجوية من أشد الدول تضرراً بالمرض.

خوف
ظلت البنوك اللبنانية تجتذب تدفقات هائلة من الخارج لسنوات، وذلك بعرض بعض من أعلى أسعار الفائدة في المنطقة، الأمر الذي سمح للبنان بسداد قيمة الواردات رغم صادراته المنخفضة.

غير أن التدفقات انخفضت بشدة في السنوات الأخيرة مع تراجع النمو الاقتصادي، بفعل اضطرابات إقليمية، والحرب الدائرة منذ 9 أعوام في سوريا، وتوتر العلاقات مع دول الخليج.

وفي الوقت نفسه، بدأ اللبنانيون في المهجر، الذي كانوا يدعمون الاقتصاد بتحويلاتهم، يحجبون أموالهم، وبدأت البنوك تفرض قيوداً مشددة تحد سحب العملاء العاديين للأموال، إلى ما يصل إلى 100 دولار فقط في الأسبوع.

وتدهور الوضع منذ الأزمة السياسية إلى حد دفع لبنان هذا الشهر لإعلان عجزه عن الوفاء بالدين السيادي وسداد قيمة الواردات الأساسية.

وجاهد المستوردون، الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن الاستفادة من الجهاز المصرفي، لمواكبة ارتفاع سعر الدولار، بعد  انخفاض الليرة اللبنانية نحو 40% منذ أكتوبر(تشرين الأول) الماضي، ما أدى لارتفاع أسعار السلع اليومية المستوردة.

ومع تزايد ندرة الدولار، تباطأت سلسلة الإمدادات المعتمدة على الاستيراد في لبنان، وكادت تتوقف.

ويقول متعاملون في المواد الغذائية، إنهم خفضوا حجم الواردات بين 30 و40%. ويقول رجال الصناعة إنهم يكافحون للحصول على المواد الخام.

ويشكو المستهلكون والشركات، من ارتفاع الأسعار، وانخفاض المبيعات.

وقال محمد يعقوب الذي يستورد مستلزمات المطاعم إن الأمر وصل إلى حد الخوف من جلب البضائع. وراجعت مبيعاته 70% منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مع تأثر زبائنه بالأزمة الاقتصادية.

وتقول النقابة الرئيسية التي تمثل أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي، إن 785 مطعماً، ومقهى، وملهىً على الأقل أفلست بين سبتمبر (أيلول) وفبراير (شباط) الماضي، وأن 240 منها أغلقت أبوابها في يناير (كانون الثاني) الماضي وحده.

وتوقعت الأمين العام للنقابة مايا بخازي، أن  "تزيد البطالة، ستحدث هجرة كبرى، وسيبحث الناس عن العمل في الخارج، وبدأنا بالفعل نشهد ذلك. سنخسر دفعة ثانية من العمال المهرة الذين كنا نود الاحتفاظ بهم في البلاد".

نفاد القمح
من بين المؤشرات على تزايد الوضع الحرج لتدفق الدولار ما يصفه التجار بتوقف شبه تام في التدابير التي بدأ المصرف المركزي العمل بها في سبتمبر(أيلول) الماضي، لضمان توفير النقد الأجنبي لتمويل السلع الأساسية مثل الدواء، والوقود، والقمح.

وقال صاحب مطاحن التاج بول منصور: "المصرف المركزي أوقف التحويلات لكل العمليات المرتبطة باستيراد القمح منذ نحو شهر. توقفت بالكامل، ولذلك نحن بصدد نفاد المخزون".

وقال منصور، إن المطاحن العاجزة عن سداد مستحقات الموردين الأجانب، تدرس مطالبة الحكومة باستيراد الحبوب. وأضاف "المخزون انخفض وسينفد خلال 40 يوماً".

وتبدو مدن كثيرة خارج بيروت أكثر تضرراً. ففي صيدا، جنوب العاصمة، أصبحت سوق المدينة التي لم تكن حركتها تهدأ، تمتلئ بواجهات العرض الخاوية المعروضة للإيجار.

وقال صاحب متجر اسمه عبد الله مرزوب: "حتى المحلات التي لا تزال مفتوحة عاجزة عن بيع أي شيء".

وقال رئيس جمعية تجار صيدا علي الشريف، إن 120 متجراً من بين 600 متجر في المدينة، أغلقت منذ أكتوبر(تشرين الأول) الماضي، وتوقع تضاعف العدد في الأشهر القليلة المقبلة، وأكد "نتجه لانهيار أكبر وأكبر".

وقال رئيس نقابة أصحاب الفنادق بيار الأشقر، إن الفنادق التي خلت من النزلاء استغنت عن 20% من العاملين، وحولت الباقين إلى العمل نصف الوقت.

وأضاف "هذا أقل معدل إشغال أشهده في 50 عماً. وإذا كان موسم الصيف سيئاً، فأعتقد أن الكثير من الفنادق سيغلق".

وقال عدد كبير من الشركات مثل شركة تشيب التي تورد نظماً أمنية، إنها مستمرة في نشاطها رغم خسائر فادحة، لأن إغلاق أبوابها وإعادة فتحها للعمل أكثر كلفة.

وأكد الرئيس التنفيذي لشركة تشيب هادي نحاس، إنه يحتفظ بالعاملين في شركته البالغ عددهم 72 موظفاً، وذلك رغم أن حجم العمل يبلغ 15% فقط مما كان عليه قبل عام، لكنه أضاف أنه سيضطر لاتخاذ خطوة كبرى في نهاية العام إذا لم تتحسن الأوضاع.

وقال: "نستنفد مواردنا الشخصية كأصحاب أعمال. هناك حد، ولا أعلم إذا كان الوضع سيحل... قبل أن ننهار".