مستشفى رفيق الحريري في بيروت.(أرشيف)
مستشفى رفيق الحريري في بيروت.(أرشيف)
الإثنين 16 مارس 2020 / 21:09

كورونا في لبنان

لا يطيق اللبنانيون اليوم أي إضافة الى معاناتهم، مهما كانت طفيفة، فهم الآن بدأوا يشعرون بالجوع أو يواجهونه بعد أن نزلت القوة الشرائية لأجورهم إلى نصفها، وبعد أن استولت المصارف على ودائعهم تقريباً.

إصابة واحدة وبعدها إصابات أخرى، ليس هذا فادحاً، لكن كيف يمكننا مع دولة كهذه ومؤسسات كهذه، أن نواجه أي خطر ومن أي نوع

الآلاف بل عشرات الآلاف الذين ينزلون الى الشارع منذ ثلاثة أشهر، يثابرون على نزولهم، فليست وعود المسؤولين التي تغذي خطبهم وظهوراتهم واقعاً أكيداً، بل سرعان ما تُسفر عن خداع فعليّ، ولا تغطي أي إجراءات محكمة. لعلّ جفلة اللبنانيين أمام الكورونا صادرة عن عدم الثقة بالدولة وأركانها. في كل مكان نلاحظ فوراً ما يُسمّى اليوم «ترهل الدولة» أو ترهّل المؤسسات. في الواقع هذا هو تفكّك الدولة ومؤسساتها، وتخبطها جميعاً، وسقوطها في عشوائية وفوضى سافرتين.

لا نعرف كيف تمكنوا في المطار من ملاحظة أعراض كورونا على المسافرة التي عُزلت فوراً في المستشفى الحكومي، ليظهر عليها الداء بعد أن اكتملت حضانة الفيروس. لا نعرف فالمطار لم يكن حينها مجهزاً لهكذا حدث. البعض شك بأن تكون سلطات المطار تلقت إشارة بذلك من المطار الإيراني. المهم أن الحدث الذي جرى بُعيد تأليف الوزارة كان مناسبة لتُبدي اهتمامها، وليدور وزير الصحة، الذي اقترحه حزب الله، على المستشفى الحكومي في بيروت والمستشفيات الحكومية في بقية المناطق. كان الوزير يدور على المستشفيات مع مواكبة من أشخاص، جميعهم، بما فيهم الوزير، بلا أقنعة. ملأت أخبار الوزير النشرات وبدا في ذلك طمأنة للسكان المرعوبين بعد أن حلّ الكورونا في أرضهم. وتداولت محطات التلفزيون المناسبة أطباء أحدهم كان من المشرفين على علاج المصابة بفيروس كورونا، ولم تتوقف أسئلة المشاهدين له عن مجازفته بالتواجد قريباً من المصابة، بل واعتبر البعض أن استقباله، في المحطة التلفزيونية، مخاطرة من الذين قاموا بذلك. لا بد أن السياسة دخلت، ولو من بعيد في المسألة، فالمريضة التقطت الفيروس من زيارة لإيران، وبدا أن الفيروس جاء من حيث تصل الأسلحة، ومن حيث يستمد حزب الله قوته وعقيدته وخططه.

لم يكن اللبنانيون الغارقون في الخوف، الخوف على معاشهم ومستقبلهم، لكنه الخوف على أي حال. لم يكونوا بحاجة إلى مزيد من الخوف، لذا أدى وصول كورونا إلى ديارهم، إلى هلع كبير. الإصابة الوحيدة في حينها والتي لحقتها إصابات كثيرة، كانت تعني أنهم، من الآن فصاعداً، سيواجهون، إلى جانب الفقر والبطالة خطراً جديداً. لذا سارعوا الى شراء الأقنعة، ليس الأقنعة فحسب، بل اليانسون والمعقمات، فهم بدأوا هكذا يشحذون مناعتهم لمواجهة المرض، قبل أن يصل. في الوقت نفسه، ولأمر آخر، هدد أصحاب الأفران بالإضراب فأضيف الخوف من المجاعة، الى جملة المخاوف الأخرى، وتهافت الناس على تخزين الخبز قبل أن يعلن إلغاء الاضراب.

مع ذلك بدا أن الوزارة، بطريقة أو بأخرى، تتحكم طبياً بالوضع. وقد أعدّ المستشفى الحكومي في بيروت واسمه بالمناسبة، مستشفى رفيق الحريري رئيس الوزراء المغتال، وبدت وزارات، وزارة الصحة مثلاً، وكأنها تغطي استعداداً أكيداً وإجراءات فعلية. بقي في المستشفى الحكومي طلاب الجامعة اللبنانية بينما سحبت الجامعات الأخرى طلابها، كان هذا باعثاً على التفاؤل بالمؤسسات اللبنانية، جرّ تفاؤلاً بالدولة أيضاً. لم تكن هذه وجهة المنتفضين الذين يحتشدون في الشارع، رغم مخاطر الفيروس، وتابعوا مع ذلك تحركاتهم فهم يشككون بكل ما تقوم به الدولة ومؤسساتها. كذلك امتلأت صفحاتهم الفايسبوكية بشكوكهم الى أن طلعت جريدة «الأخبار» بتحقيق عن ذلك نفهم منه أن ما كان يبدو إجراء في المطار، ليس سوى سؤال موظفين لا أطباء للمسافرين عما إذا كانوا يشعرون بشيء، تاركين لهم أن يصرحوا أو يخفوا، بينما تغيب الدائرة الطبية في المطار وفيها أربعة أطباء، وتغيب دائرة الحجر الصحي وفيها طبيب واحد. هذا إذا صحّ رجوع الى نقطة الصفر. لا يمكن، ولو مع وزارة جديدة، تحريك دوائر اعتادت الركود، ورفع مؤسسات، مترهلة وساقطة، إلى مستوى المسؤولية.

إصابة واحدة وبعدها إصابات أخرى، ليس هذا فادحاً، لكن كيف يمكننا مع دولة كهذه ومؤسسات كهذه، أن نواجه أي خطر ومن أي نوع. أمامنا أيضاً الاستحقاق المالي، هل نتهيأ فعلاً لمواجهته، وماذا سنفعل إذا وصل الجراد إلى أراضينا. تتراكب المصائب وعلينا أن نبحث عمن ينهض لمواجهتها.