متداول في بورصة وول ستريت بعد انهيار الأسهم في الأسبوع الماضي (أرشيف)
متداول في بورصة وول ستريت بعد انهيار الأسهم في الأسبوع الماضي (أرشيف)
الجمعة 20 مارس 2020 / 14:38

هل يتسبب فيروس كورونا في انهيار مالي أسوأ من 2008؟

24- زياد الأشقر

ذكّر أستاذ التاريخ ومدير المعهد الأوروبي في جامعة كولومبيا الأمريكية آدم توز بما حدث في 2008 حين أدى غياب اليقين المالي بسبب انتكاسة القطاع العقاري إلى نوبة قلبية اقتصادية، لافتاً إلى أن تلك الصدمة المالية الهائلة المتراكمة بسبب الخسائر التي لحقت بالأسر بعد ركود قطاع العقارات، هي التي تسببت في انكماش النشاط الاقتصادي.

ثمة حاجة الآن إلى شبكة أمان محلية شاملة لتفادي الإفلاسات والأضرار المالية الطويلة المدى، أكثر من الحاجة إلى التحفيزات

وكتب توز، وهو مؤلف كتاب "انهيار: كيف غيرت عقود من الأزمات المالية العالم"، أن أسوأ الفترات كانت في شتاء 2008 و2009، بعد تسجيل خسارة 750 ألف وظيفة شهرياً، أي ما مجموعه 8.7 ملايين وظيفة أثناء الركود.

وأضاف في مجلة "فورين بوليسي" أن الأزمة أطلقت أكبر انكماش في التجارة الدولية على الإطلاق.

لكن وبفضل التدخل الشامل للسلطتين المالية والنقدية لم تتحول الأزمة إلى ركود عميق وطويل الأمد. وبعد انكماش بـ 4.2% في الناتج المحلي الإجمالي، بدأ التعافي في القسم الثاني من 2009. ووصلت البطالة إلى ذروتها في أكتوبر (تشرين الأول) بـ 10%.

مسار بعض القطاعات

ويرى توز أن من المبكر توقع انكماش اقتصادي بسبب فيروس كورونا. لكن الركود، حتمي. وكان قطاع التصنيع الدولي مهتزاً في 2019. واليوم، تغلق أكبر اقتصادات العالم عمداً طوال أشهر عدة. فتغلق المصانع والمتاجر والمؤسسات التعليمية والمطاعم أبوابها.

وتشير المؤشرات الأولى إلى خسارة مليون وظيفة في الولايات المتحدة بين مارس (آذار) الجاري ويونيو (حزيران) المقبل. سيكون ذلك أسوأ مما سجل بين 2008 و 2009.

أما بالنسبة إلى قطاعات مثل الطيران فسيكون التأثير أسوأ بكثير. وفي القطاع النفطي، أدت آفاق انكماش في السوق إلى حرب أسعار قاسية بين أوبيك، وروسيا، ومنتجي النفط الصخري. وسيفرض ذلك ضغطاً على قطاع الطاقة المثقل كثيراً بالديون.

وإذا انتشرت حرب الأسعار فقد يشهد العالم حلقة مدمرة من تدهور قيمة ضمانات القروض، ما يعرض جزءاً ضخماً من ديون الشركات، والتي تساوي ضعفي ما كانت عليه في 2008، إلى الخطر.

الحاجة الأولى
مع تقسيم العمل بين مختلف فروع الاقتصاد السياسي، تبقى معالجة الانكماش الناجم عن فيروس كورونا مهمة تقليدية للسياسة المالية الهادفة، التخفيضات الضريبية والإنفاق الحكومي.

وثمة حاجة الآن إلى شبكة أمان محلية شاملة لتفادي الإفلاسات والأضرار المالية طويلة المدى، أكثر من الحاجة إلى التحفيزات.

وبعد تخطي الوباء، ستبرز الحاجة إلى استثمارات جديدة في البنية التحتية الصحية، في الولايات المتحدة و في العالم.

وسيخلق ذلك فرصاً ممتازة لإنفاق المال بشكل أكثر إنتاجية، وخلق وظائف نوعية عليا. وعلى عكس 2008، ستتوسع قطاعات بطريقة طبيعية. وعلى الأرجح، سيتوسع الإنفاق على الرعاية الصحية  بشكل كبير، وهي التي تمثل 18% من النشاط الاقتصادي الأمريكي.

تهديد آخر
كما في 2008، وقبل نجاح العالم في مواجهة الانكماش، هنالك تهديد آخر يجب التعامل معه، أي خطر النوبة القلبية مالية.

ويشرح توز أن الانكماش مختلف عن الهلع. والهلع المالي هو ما بدأ المراقبون يلمسونه منذ 8 مارس (أذار) الجاري. ويواصل هذا الهلع تهديد الأسواق.

وكان الدافع الفوري لذلك، انهيار محادثات النفط، وحرب الأسعار النفطية، وزيادة سوء الأوضاع في إيطاليا بسبب الفيروس، وصدم ذلك الأسواق وأدى إلى انخفاض الإقراض، والهروب إلى الملاذات الآمنة وإلى طلب هائل على السيولة.

وبدأ الأمر يتطوور من مجرد صدمة خارجية بيولوجية، إلى احتمال معاناة الاقتصاد من انهيار داخلي في الثقة والائتمان.

إن انهياراً ائتمانياً مفاجئاً سيكشف الذين يحملون ديوناً كثيرة ونماذج عمل ضعيفة، وخاضوا مخاطر مرتفعة، لتنتقل بعدها المحنة إلى البقية، بإغلاق الأعمال، وخسارة الوظائف، وبيع الأصول بأسعار بخسة، لتصبح الأمور أسوأ إذا مول الضحايا نشاطاتهم بالاقتراض، فتؤدي خسائرهم إلى ضرب ميزانيات الدائنين.

في 2008، كانت البنوك مركز العاصفة. لكن مع تعزيز ميزانياتها، لا يُرجح أن تواجه البنوك الأمريكية صعوبات هذه المرة. غير أن البنوك الأوروبية لم تتعاف حقاً من صدمة 2008، ومن أزمة اليورو. 

المؤشر المقلق
تابع توز أن مع انهيار أسواق الأسهم، انخفضت الديون السيادية الأمريكية أيضاً، وهو ما يجب تفاديه، حسب رأيه، إذ يجب أن تكون سندات الخزينة ملاذات آمنة، وإذا انخفضت أسعارها فهذا يعني أن ما يكفي من المستثمرين يائسون للحصول عل السيولة.

وفي نهاية الأسبوع الماضي، كانت الأسواق تأمل سماع بعض الأخبار الجيدة من البنك المركزي الأوروبي. لكن رئيسة البنك كريستين لاغارد جعلت الأمور أسوأ بإشارتها على ما يبدو إلى أن البنك ليس مفوضاً لمساعدة إيطاليا. 

وفي المقابل، لم تكن إجراءات الاحتياطي الأمريكي حادة، فخفضت أسعار الفائدة إلى الصفر، وأطلقت جولة رابعة من التيسير الكمي. وعموماً، كانت تلك الأداة نفسها التي استخدمها في 2008، رغم أنها ليست سياسات مصممة خصيصاً لمواجهة الجائحة. لكن ليست هذه هي المسألة، فالمهم فيها أنها لاتعالج  صدمة الجائحة. وأصر الاحتياطي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي على أن ذلك هو من اختصاص السياسة المالية.

وفي مواجهة الجائحة، يكمن الدور المحدود لكن الجوهري للبنوك المركزية في منع النظام الائتماني من أن يصبح خطراً في حد ذاته. لم يكن هنالك تعاون دولي بين البنوك المركزية بنفس الحجم الذي كان عليه في 2008. لكن التعاون العلني قد لا يكون ضرورياً، وفقاً للكاتب نفسه.

الخطوة الأبرز
يعلم الجميع أن على الاحتياطي الفيديرالي تولي القيادة، إذ يقوم النظام المالي العالمي على الدولار. ولهذا السبب، كانت أبرز خطوة للتعاون في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، إعلان خطوط مقايضة السيولة بين البنوك المركزية البارزة، الاحتياطي الأمريكي، وبنك اليابان، وبنك إنجلترا، وبنك كندا، البنك المركزي الأوروبي، والبنك الوطني السويسري. ومددت الخطوة في نهاية الأسبوع الماضي آجال المقايضات وخفضت هامش الفائدة الذي يفرضه الاحتياطي الفيديرالي.

كان هنالك قلق من تحدي ترامب ومؤيديه الجمهوريين القوميين هذا التعبير عن التعاون العالمي بين البنوك المركزية. فالمقايضة تعني أن الاحتياطي يؤمن الدولار بناءً على طلب البنوك الأجنبية، ولا يُتوقع أن يوافق جمهور "اجعلوا أمريكا عظيمة مجدداً" على ذلك.

 لكن يبدو أنه عند انتشار جائحة، وبينما يتساءل المواطنون عما إذا كان آمناً مغادرة المنزل، فإن لن  أحداً بالمبادئ القومية. لم تؤد إجراءات الاحتياطي إلى وقف البيع في الأسواق المالية، وسيراقب إذا كان يجب توسيع هذه السياسات.

مشكلة الإجراءات الأخيرة
إن إجراءات خط المقايضة الحديثة تنطبق فقط على الدائرة الضيقة من الاقتصادات المتقدمة. ورغم توسيعها في 2008، لم يصل إلا 14 بنكاً مركزياً فقط إلى دولارات الاحتياطي الأمريكي.

وضمن الأسواق المالية الناشئة، لم تنضم إلى هذه الدائرة سوى كوريا الجنوبية، والبرازيل، والمكسيك. أما البقية فأحيلت إلى صندوق النقد الدولي. لكن 2008، أصبحت الحدود بين الاقتصادات الناشئة الأكثر تطوراً وغيرها من الاقتصادات المتطورة مبهمة.

تفادت كوريا الجنوبية العاصفة بطريقة مثالية بفضل إجراءاتها الصحية. لكن عند الهلع، يتدفق المال نحو المركز. وإلى لغاية اليوم، كانت هنالك فقط بدايات لتدفق للمستثمرين نحو الأصول المقومة بالدولار.

لكن العديد من الأسواق الناشئة بدأت تتعرض للضغط المالي. فهروب الصناديق المالية إلى الخارج كان درامياً منذ بداية 2020. وفي الأسابيع الثمانية الماضية، خرج 55 مليار دولار من الأسواق المالية وهو ضعف ما حصل في 2008، وسيفرض ذلك ضغطاً على دول مثل المكسيك، والبرازيل، ذات الكثافة السكانية المرتفعة، والبنية التحتية الضعيفة.

الأنظار مشدودة إلى الصين

يشدد توز على أن الأسئلة الحقيقية ترتبط بالصين، ففي 2008، لم تعانِ الأخيرة من هروب مالي. أعطت تحفيزاتها المالية والنقدية الضخمة دفعاً كبيراً لاقتصادها الوطني وللذين يستوردون منها.
لم يُدرس تأسيس خط مقايضة بين الاحتياطي الفيديرالي وبنك الصين.

ومنذ ذلك الوقت، أسس البنك الصيني شبكته للمقايضة التي تؤمن الرينمينبي لا الدولار. وفي ظل أزمة أجبرت الصين على إغلاق جزء كبير من اقتصادها وستطلق انكماشاً درامياً في التجارة العالمية، يبقى السؤال عن حجم الطلب على الدولار من قبل الأعمال الصينية المعولمة.

فمنذ 2008، توسعت نشاطاتها العالمية بشكل كبير ومثل سائر الأسواق الناشئة، تقترض بكثرة بالدولار الأمريكي. لدى الصين اليوم جزء كبير من احتياطات الدولار. لكنها ليست على شاكلة سيولة بل سندات خزينة أمريكية. وآخر ما يريده العالم اليوم، بالنظر إلى الريبية في الأسواق، أن تُجبَر الصين على تسييل هذا الاحتياط، ما سيحبط جميع جهود الاحتياطي الأمريكي لتحقيق الاستقرار في سوق التمويل الحكومي.

وليس سهلاً أيضاً تخيل حيازة الاحتياطي الفيديرالي العملة الصينية لمقايضة الدولار، لأنه سيخاطر بإغضاب الصقور المناهضين للصين في الكونغرس. وأمل توز أخيراً أن تتفوق المخيلة التكنوقراطية على الإغراء الواضح في الجانبين لتسييس الأزمة.