تعبيرية.(أرشيف)
تعبيرية.(أرشيف)
الأحد 22 مارس 2020 / 18:11

القرب والبعد: ثقافة واستراتيجية

التباعد الاجتماعي إجراء احترازي مؤقت نضحي فيه بالتخلي عن ممارسات اعتدناها، بعضها من الدين كالجمع والجماعات، وبعضها من العادات والتقاليد كالزيارات والمشاركة في المناسبات، وبعضها من الرفاهية والكماليات، لهدف أسمى وغاية أغلى وهي حفظ الروح البشرية والإنسانية

حضر مصطلحا القرب والبعد كثيراً في ذروة الأزمة الصحية التي يمر بها العالم. بدأ بالمجال الأهم مجتمعياً وهو التعلم، فظهر التعلم عن بعد. وانتقل إلى العمل عن بعد. وتوسع أكثر حين طرحت استراتيجية التباعد الاجتماعي كإجراء احترازي أو ملجأ حصين ضد تفشي الفيروس. وفي ثنايا البعد والقرب فلسفة يلاحظها القريب والبعيد.

بضعة أيام فقط هي ما احتاجته أنظمة تعليمية للانتقال من التقليدية إلى التقنية. ثمة بعض الإدارات التعليمية كانت ترى الحضور – وحده – هو ما يحقق الفائدة ويكون دليلاً على التعلم ومبرراً لتخطي المرحلة الدراسية. وكانت تقاوم وبشدة استخدام الأدوات المتاحة والأجهزة المكدسة في المخازن إلا بضوابط وشروط وتعهدات مكتوبة وممهورة بتوقيع المستخدم وذويه، ثم هي في لحظة واحدة تطلق الأعنة للأجهزة لتدخل البيوت، وبدأت عملية التعلم، وبكل بساطة نجحت، وأثمرت.

أتساءل كيف كان يمكن أن يكون الوضع، لو أسند الأمر إلى لجنة لدراسة جدواه، وأصدرت توصيات، ووضعت ضوابط، وحددت منطلقات، ووضعت قائمة احتياجات، وأدخلت ذلك في فترة تجريبية، تحتاج إلى فترة تقييمية قبل أن ترفع توصيتها للمسؤول لاتخاذ قرار بالإقرار أو الاعتذار!!

فهذه منحة في محنة الوباء أن جعلت القرار سريعاً، والتطبيق مسؤولاً، فكان النجاح حليف مبادرة التعليم عن بعد.
ثم دخل مصطلح العمل عن بعد، إجراء احترازي، وتوجيه إداري، يمكن أن يكون ناجحاً إن تخلى كل مستظرف عن روح الدعابة وتحمل مسؤولية منع انتشار المرض من خلال الإنتاجية الكاملة، والجدية اللامتناهية لإنجاح هذه المهمة الوطنية.

وتبقى الاستراتيجية التي يعول عليها المجتمع في مقاومة هذا الوباء هي التباعد الاجتماعي.
وقد روت كتب السير أن الطاعون حينما حل بالشام، وأخذ في عداد موتاه والي الشام الصحابي أبا عبيدة، ثم خلفه معاذ بن جبل فمات أيضاً بالطاعون. فلما تولى إمرة الشام عمرو بن العاص خطب في الناس قائلاً: أيها الناس إن الطاعون كالنار المشتعلة وأنتم وقودها فتفرقوا وتجبلوا – أي اصعدوا الجبال - حتى لا تجد النار ما يشعلها فتنطفئ وحدها، فلما سمعوا واستجابوا نجوا جميعاً.

التباعد الاجتماعي إجراء احترازي مؤقت نضحي فيه بالتخلي عن ممارسات اعتدناها، بعضها من الدين كالجمع والجماعات، وبعضها من العادات والتقاليد كالزيارات والمشاركة في المناسبات، وبعضها من الرفاهية والكماليات، لهدف أسمى وغاية أغلى وهي حفظ الروح البشرية والإنسانية.