عسكري إيراني يضع كمامة أمام صورة لقائد فيلق القدس الراحل الجنرال قاسم سليماني.(أرشيف)
عسكري إيراني يضع كمامة أمام صورة لقائد فيلق القدس الراحل الجنرال قاسم سليماني.(أرشيف)
الجمعة 27 مارس 2020 / 13:43

عندما تحكّمت الإيديولوجيا الدينية بالعلم في إيران

كتب الباحث ميسم بهرافيش، في تقرير بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، أن نظام الملالي في طهران أخفق بشدة في التعامل مع الأزمة الناجمة عن كورونا؛ إذ كان يعلم في وقت مبكر عن تفشي الفيروس ولكنه تعامل معه بلامبالاة ومن منطلق الإيديولوجية الدينية، ورفض إغلاق المواقع الدينية التي تستقطب حشوداً كبيرة، كما منح الأولوية للشراكة مع الصين بدلاً من حماية الشعب الإيراني.

عندما اتخذت إيران في نهاية المطاف إجراءات لمحاولة لاحتواء الانتشار، أعاقت السياسة الداخلية والإيديولوجية الدينية فاعليتها

واستهل الكاتب تقريره بالإشارة إلى أن إحصاءات رسمية لوزارة الصحة الإيرانية تشير إلى إصابة 23,049 بفيروس كورونا إضافة إلى 1812 حالة وفاة في جميع أنحاء البلاد حتى يوم 23 مارس (آذار) الجاري.

وفاة كل 10 دقائق
ولكن على الرغم من ارتفاع الأعداد المعلنة، إلا أن الأرقام الحقيقية تبدو أعلى بكثير؛ لاسيما أن المتحدث باسم وزارة الصحة الإيرانية قد غرد بأن قرابة 50 شخصاً يصابون بالفيروس في إيران كل ساعة تقريباً، ووصل معدل الوفيات إلى شخص واحد كل 10 دقائق.

ويرى ريك برينان، مدير الطوارئ بمنظمة الصحة العالمية الذي زار إيران مؤخراً، أن العدد الإجمالي الفعلي للإصابات بفيروس كورونا ربما يكون أعلى بخمس مرات من الإحصاءات الرسمية التي تعترف بها حكومة الملالي.

ويقول الباحث: "لا جدال في أن إيران، البالغ عدد سكانها قرابة 83 مليون نسمة، تُعد واحدة من أكبر بؤر الوباء، والمسؤولية الرئيسية تقع على عاتق نظام الملالي الذي أخفق في الاستجابة للأزمة. وثمة مؤشرات متزايدة على أن الحكومة الإيرانية كانت مدركة لانتشار الفيروس ولكنها عمدت إلى تجنب القيام بأي شيء لإيقافه أو حتى توعية الشعب الإيراني".
  
رحلات الطيران إلى بكين لم تتوقف
ويورد التقرير أن الحكومة الإيرانية تعاملت مع انتشار فيروس كورونا بلامبالاة ومن منطلق الإيديولوجية الدينية والحرص على المصالح الاستراتيجية للنظام، وذلك على حساب الصحة العامة للشعب الإيراني؛ فعلى الرغم من انتشار كورونا رسمياً في الصين خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، إلا أن المسؤولين الإيرانيين لم يفعلوا شيئاً لوقف السفر بين البلدين؛ وذلك من أجل الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية القوية بين بكين وطهران.

وحتى مع قرار الحكومة الإيرانية بتعليق جميع الرحلات الجوية الإيرانية الصينية في 31 يناير (كانون الثاني) الماضي، فإن بعض شركات الطيران الإيرانية لم تستمر فقط في رحلاتها المعتادة ولكنها أيضاً ساعدت في نقل الركاب المتجهين إلى الصين من البلدان الأخرى، واستمرت رحلات شركة "ماهان إير" الإيرانية بين طهران وبكين حتى يوم 23 فبراير (شباط) الماضي.

ويوضح الباحث أن أول اعتراف رسمي من إيران بانتشار كورونا جاء في شكل إعلان وفاة شخصين بسبب الفيروس يوم 19 فبراير (شباط) الماضي وذلك في مدينة قم الدينية البالغ عدد سكانها 1,2 مليون نسمة، وهو أمر غريب بحسب خبراء الصحة العامة الدوليين لأن إعلان الوفاة كان يجب أن يسبقه بالضرورة الإعلان عن إصابات. ويعني ذلك أن فيروس كورونا كان قد انتشر فعلاً على نحو واسع وقت الإعلان عن حالتي الوفاة، وأن المسؤولين الإيرانيين عرفوا ذلك على الأرجح.

حماية خامنئي
ويضيف التقرير أنه قبل أربعة أيام من إعلان إيران رسمياً عن أولى حالات كورونا، عقد المرشد الأعلى الإيراني آية الله على خامنئي اجتماعاً معتاداً يوم 15 فبراير (شباط) مع مجموعة من رجال الدين لم يسمح رجال الأمن بالاقتراب من المرشد وتقبيل يده.

وبحسب الباحث، يعني ذلك أن الحكومة الإيرانية حرصت على الحفاظ على حياة خامنئي واتخذت احتياطات إضافية لحمايته من كورونا منذ منتصف الشهر الماضي، بيد أنها فشلت في رعاية حياة 83 مليون إيراني ومنحت الأولوية لشراكتها مع الصين بدلاً من الصحة العامة للأمة الإيرانية.

ولفت التقرير إلى تصريح محمد حسين بحريني رئيس جامعة مشهد للعلوم الطبية في مقابلة مع وكالة أنباء الطلبة الإيرانية التي تديرها الدولة، بأن وجود 700 طالب صيني يدرسون الفقه في معهد قم كان سبباً في تمهيد الطريق لنشر فيروس كورونا في جميع أنحاء إيران. ولكن تم حذف المقابلة بعد وقت قصير من نشرها.

أسباب التباطؤ 
ويرى الباحث أن حرص نظام الملالي على العلاقات الجيدة مع بكين على رغم التهديد الوشيك لفيروس كورونا ينطلق من اعتمادها على الاستثمار والمساعدات الصينية لمواجهة حملة الضغط الأقصى بسبب العقوبات الأمريكية التي فرضتها إدارة ترامب منذ 2018 عقب انسحابها من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة فرض عقوبات شاملة على الاقتصاد الإيراني.

ومع ذلك، فإن إهمال نظام الملالي العام للتهديد الهائل للصحة العامة الذي يشكله كورونا ينبع أيضاً من إخفاقها الجوهري في إدراك طبيعة هذا الخطر، خاصة لأن هذا الفيروس ليس ثورة محلية أو تدخلاً أجنبياً يستهدف تغيير النظام، ولكنه خطر زاحف غير مرئي ضد المجتمع بأكمله يتطلب استجابة علمية، وهو النهج الذي تجاهلته طهران في صنع السياسات باستثناء حالات محددة مثل برامجها النووية وبرامج الصواريخ في الآونة الأخيرة.

وبالفعل انعكس هذا الفشل المنهجي، بحسب تقرير المجلة الأمريكية، في ارتفاع عدد القتلى وبينهم شخصيات حكومية مؤثرة، بينها قيادات بالحرس الثوري الإيراني.

ويُشير الباحث إلى أن إيران تجاهلت مواجهة فيروس كورونا خشية عرقلة ترتيبات الانتخابات البرلمانية في 21 فبراير (شباط) الماضي؛ إذ كانت لدى الحكومة الإيرانية مخاوف من انخفاض نسبة الإقبال بسبب الاضطرابات السياسية في الأشهر السابقة والقمع الوحشي للاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، ولذلك تكتمت على انتشار الفيروس.

الفرص الضائعة   
ويقول التقرير: "عندما اتخذت إيران في نهاية المطاف إجراءات لمحاولة لاحتواء الانتشار، أعاقت السياسة الداخلية والإيديولوجية الدينية فاعليتها، فعلى سبيل المثال عارض نائب وزير الصحة الإيراني بشكل علني الحجر الصحي الواسع النطاق، كما رفض المسؤولون وضع قيود على الازدحام في المتاجر والشوارع والطرق خشية من التداعيات الاقتصادية، فضلاً عن رفض إغلاق الأضرحة الدينية التي تجذب حشوداً كبيرة باعتبار ذلك مؤامرة معادية لتوجيه ضربة إلى سمعة ملاذ الشيعة في العالم".

ويخلص التقرير إلى أن إيران بشكل عام أهدرت فرصاً متعددة للتعامل مع أسوأ أزمة للصحة العامة في تاريخها. ففي بداية الأمر فشلت في معالجتها بشكل صحيح مع دخول الفيروس إلى إيران، ثم تجاهلت الاقتراحات التي قدمها أهل الخبرة والاختصاص لاحتواء انتشار الفيروس، ولاتزال هذه الإشكالية قائمة حتى الآن، خاصة مع اتهام خامنئي الولايات المتحدة بإنتاج فيروس كورونا بشكل يتناسب مع جينات الإيرانيين، الأمر الذي لا يؤذن بالخير لجهود إدارة الأزمات الإيرانية في الأسابيع والأشهر المقبلة.