الأحد 5 أبريل 2020 / 11:48

الاستثناء الألماني في معركة كورونا...ما سرّه؟

سلطت الصحافية كاترين بنهولد، في تقرير بصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، على انخفاض معدل الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا المستجد في ألمانيا مقارنة مع العديد من البلدان المجاورة.

إلى جانب الاختبارات الجماعية واستعداد نظام الرعاية الصحية، يعتقد الكثيرون أيضاً أن قيادة المستشارة أنغيلا ميركل تُعد سبباً لإبقاء معدل الوفيات منخفضاً

وعلى الرغم أن جائحة كورونا أصابت ألمانيا بشدة؛ حيث تم تسجيل أكثر من 91 ألف حالة، إلا أن النسبة المئوية للوفيات تُعد منخفضة بشكل ملحوظ.

تاكسي كورونا
وتُشير الصحافية إلى مبادرة سيارات الأجرة التي يُطلق عليها "تاكسي كورونا"، المجهزة بالأطباء والمعدات الواقية، التي تتجول في شوارع مدينة هايدلبرغ المقفرة للتحقق من التزام المرضى بيوتهم. ويجري الأطباء فحوصاً لضغط الدم للمرضى وعندما تظهر علامات الانخفاض الحاد يقترحون عليهم دخول المستشفى، وحتى أولئك الذين يعانون من أعراض خفيفة، وذلك من أجل تحسين فرص النجاة من الفيروس.

ويوضح التقرير أن سيارات الأجرة في هايدلبرغ هي مبادرة يتم تطبيقها في مدينة واحدة، ولكنها تعكس مستوى الالتزام واستخدام الموارد العامة في مكافحة كورونا، ويساعد ذلك في تفسير انخفاض معدل الوفيات في ألمانيا؛ لاسيما مع معدلات الإصابة المرتفعة (91 ألف إصابة مؤكدة) حتى صباح يوم أمس السبت، وهو معدل أكبر من أي بلد آخر باستثناء الولايات المتحدة وإيطاليا وإسبانيا.

وقد بلغ عدد الوفيات الناجمة عن كورونا في ألمانيا 1275 حالة وفاة، أي بمعدل 1.3%، مقارنة مع 12% في إيطاليا، و10% في إسبانيا وفرنسا وبريطانيا، و4% في الصين و2.5% في الولايات المتحدة.

انخفاض الوفيات
ويرى الخبراء أن العديد من الأسباب وراء انخفاض معدل الوفيات في ألمانيا يرجع إلى تحريف الإحصاءات من ناحية إلى جانب الاختلافات الحقيقية في كيفية تعامل الدولة مع جائحة فيروس كورونا من ناحية أخرى.

وبحسب البروفسور هانز جورج كروسليتش، رئيس قسم علم الفيروسات بالمستشفى الجامعي في هايدلبرغ، فإن متوسط عمر المصابين في ألمانيا يُعد دون مستوى عمر المصابين في العديد من البلدان الأخرى؛ إذ سجلت أولى الإصابات في منتجعات التزلج النمساوية والإيطالية بين شباب صغار في السن ويتمتعون بصحة جيدة نسبياً.

ولكن مع انتشار العدوى، أُصيب عدد أكبر من كبار السن وارتفع معدل الوفيات، بيد أن متوسط عمر المصابين بالفيروس لايزال منخفضاً نسبيا هو 49 عاما، أما في فرنسا فمتوسط أعمار المصابين هو 62,5 عاماً و62 عاماً في إيطاليا، وفقاً لأحدث تقاريرهم الوطنية.

اختبارات واسعة النطاق
ويورد التقرير أن ثمة تفسيراً آخر لمعدل الوفيات المنخفض يتمثل في أن ألمانيا تختبر عدداً أكبر بكثير من الأشخاص مقارنة مع معظم الدول، ويعني ذلك أنها تحصي عدداً أكبر من الأشخاص الذين يعانون من أعراض خفيفة، مما يزيد عدد الحالات المعروفة وليس عدد الوفيات، ويقود ذلك تلقائياً إلى خفض معدل الوفيات على الورق.

وفي منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، قبل وقت طويل من الالتفات إلى فيروس كورونا، قام مستشفى "شاريتي" في برلين بتطوير اختبار ونشر صيغته على الإنترنت. وبمجرد تسجيل أول حالة إصابة بفيروس كورونا في ألمانيا خلال شهر فبراير (شباط) الماضي، قامت المختبرات في جميع أنحاء البلاد بتكوين مخزون من مجموعات الاختبار.

وحتى الآن تجري ألمانيا حوالي 350 ألف اختبار للكشف عن الإصابة بفيروس كورونا أسبوعياً، وهو معدل أكبر بكثير من أي دولة أوروبية أخرى. وقد أتاح الاختبار المبكر والواسع النطاق للسلطات إبطاء انتشار الوباء من خلال عزل الحالات المعروفة الناقلة للعدوى، إلى جانب إعطاء العلاج المنقذ للحياة في الوقت المناسب ووضع المرضى على جهاز التنفس الصناعي قبل تدهور حالتهم، وهي أمور توفر فرصاً للنجاة.

المتابعة
وعلاوة على ذلك، يتم فحص الأطباء المعرضين بشكل خاص لخطر الإصابة بالفيروس، وتخطط السلطات الصحية الألمانية أيضاً لإجراء دراسة واسعة النطاق للأجسام المضادة في نهاية شهر أبريل (نيسان) الجاري، واختبار عينات عشوائية لمائة ألف شخص في جميع أنحاء ألمانيا أسبوعياً لقياس تراكم المناعة.

ويعتبر تقرير الصحيفة الأمريكية أن مجانية إجراء الاختبارات تُعد أحد مفاتيح ضمان إجرائها على أوسع نطاق؛ إذ لا يتحمل المرضى أي كلفة مقابل إجراء الاختبار، وهذا تحديداً أحد الاختلافات الملحوظة مع الولايات المتحدة في الأسابيع القليلة الأولى من تفشي فيروس كورونا، قبل إقرار الكونغرس الشهر الماضي مشروع قانون يتيح الاختبارات المجانية.

وتضيف الصحافية أن الاختبار والمتابعة هما أساس الاستراتيجية الناجحة التي انتهجتها كوريا الجنوبية، ولذلك حاولت ألمانيا التعلم منها، وأدركت الأخيرة أيضاً أنها أخطأت في وقت مبكر عندما تجاهلت تتبع جميع العائدين إلى ألمانيا من منتجع التزلج النمساوي الذي تفشى فيه الفيروس كورونا.

قوة نظام الرعاية الصحية
وتلفت إلى أنه قبل انتشار الكورونا في جميع أنحاء ألمانيا، كان لدى المستشفى الجامعي في غيسن 173 سريراً للعناية المركزة مزودة بأجهزة للتنفس الاضطناعي، ولكن في الأسابيع الأخيرة، سارع المستشفى لإنشاء 40 سريراً إضافيا وزاد عدد الموظفين المستعدين للعمل في العناية المركزة بنسبة تصل إلى 50%.

وفي جميع أنحاء ألمانيا، وسعت المستشفيات قدراتها في العناية المركزة، وفي شهر يناير (كانون الثاني) الماضي كان لدى ألمانيا حوالي 28 ألف سرير للعناية المركزة المجهزة بأجهزة التنفس الاصطناعي، بنسبة 34 لكل 100 ألف شخص مقارنة مع 12 في إيطاليا و7 في هولندا. وقد تزايدت أعداد أسرّة العناية المركزة الآن في ألمانيا ووصلت إلى 40 ألفاً.

وعلى الرغم من ذلك، يخشى بعض الخبراء من ندرة معدات الإنقاذ الطبية وتأثير ذلك على نجاح نظام الرعاية الصحية الألماني في التغلب على وباء فيروس كورونا. كما يجب توفير الإرشادات للأطباء حول كيفية ممارسة الفرز بين المرضى إذا اضطروا إلى لذلك. ويرى الأطباء أن تباطؤ الوقت لمضاعفة عدد الإصابات إلى ما بين 12 و14 يوماً ربما يقود إلى تجنب عملية الفرز.

الثقة في المستشارة الألمانية

وإلى جانب الاختبارات الجماعية واستعداد نظام الرعاية الصحية، يعتقد الكثيرون أيضاً أن قيادة المستشارة أنغيلا ميركل تُعد سبباً لإبقاء معدل الوفيات منخفضاً، خاصة أنها تتواصل بشكل واضح وهادئ ومنتظم طوال الأزمة مع كل الأجهزة في البلاد، وفرضت تدابير للتباعد الاجتماعي أكثر صرامة.

وكانت القيود التي فرضتها ميركل حاسمة في إبطاء انتشار جائحة كورونا، ولم تلق إلا معارضة سياسية قليلة، ويتم متابعتها على نطاق واسع، مما أدى إلى ارتفاع شعبيتها.
ويختتم التقرير بمقولة البروفسور كروسليتش: "ربما تكون قوتنا الأكبر في ألمانيا هي القرار العقلاني على أعلى مستوى في الحكومة مقترناً بالثقة التي تتمتع بها الحكومة بين السكان".