مارة أمام مستشفى رفيق الحريري لعلاج المصابين بكورونا في لبنان (أرشيف)
مارة أمام مستشفى رفيق الحريري لعلاج المصابين بكورونا في لبنان (أرشيف)
الإثنين 6 أبريل 2020 / 20:11

سياسات كورونا

من المفترض أن موضوع كورونا لا تقوم له سياسة، بل هو، كما يتراءى من بعد، يبعد السياسة نفسها عن حياة، صارت بسببه، عديمة القواعد وضائعة الجهات، بحيث لا يمكن فيها تبين المصالح والوجهات.

ليست قصة الكهنة مخترعة لكن السؤال نفسه، من أين جاءت العدوى والبناء عليه، وإحالته الى السياسة والسجال السياسي، ليس سوى ديماغوجية خالصة ولا تعني شيئاً

رغم أن هذا يُفترض فيه أن يكون، إلا أن ما يحدث ليس هكذا تماماً بل إنه أحياناً شيء آخر ومختلف إنه أحياناً العكس، فالسياسة ترفض أن تخلي الساحة، بل وتجر الموضوع المعاكس اليها.

السياسة وهي على سطح الحياة قد تشتغل أيضاً بالمرض والموت وقد تتوسل لنفسها مداخل ليست لها، ولا هي من صنفها، فإذا بالكورونا تتخذ أيضاً وجهاً سياسياً من بين وجوهها الكثيرة، بحيث يمكننا الحديث عن "سياسات كورونا".

لم يطل الوقت حتى بدأت الصين تتهم أمريكا، ولم تسكت أمريكا فاتهمت بدورها الصين، وسمى ترامب كورونا "الفيروس الصيني" وقال أن الصين تكتمت على المرض، فساعدت على تفشيه، وأخرت التصدي له اجتماعياً وطبياً.

دخلت إيران في هذه المجادلة فاتهمت بدورها أمريكا، وكذلك فعلت تركيا، ومن بعدها روسيا. لقد بدا أن المرض بذلك استحال الى نوع من حرب عالمية خاصة، فالدول تدخلها وتشارك فيها تبعاً لحسابات سياسية سابقة على كورونا، حسابات مصدرها الصراع على السيطرة والاقتصاد والمجالات الحيوية.

ثم كانت بعد ذلك نظرية المؤامرة. هذه انتقلت الى ألسنة ناطقة بمصالح سياسية أيضاً، ألسنة تحاول أن تفسر ما يجري، ولو على الصعيد الصحي، بتدابير وخطط تتبع الصراعات السياسية.

على هذا الطريق افترض محللون أن كورونا، هو أيضاً، وبشكل كامل، لعبة سياسية. زعموا أن ابتداء كورونا في الصين لم يكن صدفة، ولا يمكن عزله عن الصراع الكوني بين الصين وحلفائها والولايات المتحدة وحلفائها. لقد حل كورونا، في ووهان الصينية وبقية الصين، بتدبير أمريكي. لم يقتصر ذلك على الصين وحدها، بل تجاوزها فوراً الى ايران، وهي العدو السافر للولايات المتحدة، فليس انتشار كورونا وتفشيه في إيران بعيداً عن عدائها وصراعها مع أميركا، بل يمكننا أن نعتبر أن شيئاً كهذا، ما كان يمكن أن يحدث للصين وإيران لولا صراعهما مع أمريكا.

هذا التحليل لا يتحرج حين يصل الى تفشي كورونا في ايطاليا وفي أوروبا قاطبة. هنا لا تتراجع النظرية بل تستطرد بأن لدى الولايات المتحدة نوايا سيئة تجاه الغرب الأوروبي الطامع الى الابتعاد عنها. تفشي كورونا في أوروبا في نظر معتنقي هذا التفسير لا يلغيه بل يبدو لاحقاً به.

أما عندنا في العالم العربي وأتناول خاصة النموذج اللبناني حيث تجتمع التفاسير كلها وجميعها تتبع الصراعات اللبنانية الداخلية، كان حلول كورونا في لبنان أول مرة على يد مصابة حملته من زيارة دينية الى إيران، مصدر سلاح حزب الله ومرجعه الديني والسياسي.

كان هذا، لدى الفريق المعارض لحزب الله وايران، سبباً لاعتبار كورونا مرسلاً من حيث يرسل السلاح. هذا بالتأكيد لم يعجب حزب الله الذي في حديث لأمينه العام، الذي اتهم الرئيس الأمريكي بإخفاء أعداد المصابين الذين بلغوا مئة الف في ولاية واحدة.

لم يكن هذا الجواب الوحيد ولا النهائي فقد جاء، ولو متأخراً، الجواب الحاسم في جريدة الأخبار، المنحازة لحزب الله وإيران، يرفع تهمة بداية كورونا بعدوى من ايران وبالزيارة الدينية لها، ليضعها على عاتق الكهنة المسيحيين، الذين حمل الدعوة إليهم كاهن نقلها من إيطاليا وحصل ذلك قبل وصول الزائرة العائدة من ايران.

ليست قصة الكهنة مخترعة لكن السؤال نفسه، من أين جاءت العدوى والبناء عليه، وإحالته الى السياسة والسجال السياسي، ليس سوى ديماغوجية خالصة ولا تعني شيئاً.