شارع وول ستريت في نيويورك (أرشيف)
شارع وول ستريت في نيويورك (أرشيف)
الثلاثاء 7 أبريل 2020 / 19:43

أقطاب كورونا

فتحت جائحة "كورونا" وتداعياتها السياسية هوامش أخرى لقراءة تراكمات أزمة الراسمالية ومدى قدرة النظام العالمي المأزوم على امتصاص إفرازات تعميق الاصطفافات التقليدية خلف أقطابها وما قد ينجم عن مناخات الاستقطابات الراهنة.

مع استمرار الأزمة يتكشف ضعف قيم الحرية والمشاركة السياسية بمفهومها الليبرالي مقابل حضور الدولة في دول الجنوب مما يترك انطباعاً بانحسار تأثير الليبراليين في المرحلة المقبلة .

الواضح أن اللعب على البعد الأخلاقي كان الأكثر إغراءً للقطبين الرأسماليين الأقوى في هذه المواجهة، حيث حاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إظهار الصين في صورة صندوق "بندورا" الذي تأتي منه الشرور مع استخدامه مصطلح "الفيروس الصيني" في الوقت الذي لم تتوان بكين عن التلميح إلى تورط أمريكي في استهدافها بالفيروس.

في هذا السياق يندرج إرسال الصين وروسيا، مساعدات طبية للولايات المتحدة، وإبداء كبريات الصحف الأمريكية مخاوفها من فقدان واشنطن قدرتها على المبادرة لتقديم العون، وتخليها عن صورة المانح الإنساني.

اللافت للنظر أن السباق على جمع أكبر قدر من النقاط لم يتوقف عند الخطاب السياسي مع محاولات الصين، وروسيا استغلال عري القارة العجوز في تحقيق بعض الاختراقات، في ما كان يعرف خلال الحرب الباردة بالمعسكر الغربي.

المعطيات المتوفرة توحي بتقدم نموذج رأسمالية الدولة على الرأسمالية الليبرالية في الكباش الدائر، حيث تنشغل الولايات المتحدة عن دورها الانقاذي المفترض بمحاولات الحد من انتشار الفيروس على أراضيها، في الوقت الذي تمد فيه موسكو وبكين يد المساعدة لعواصم غربية، وتدلل المؤشرات على أن انكشاف قدرة الاتحاد الاوروبي على التماسك في مواجهة الطوارئ أكثر حضوراً من المأزق الأمريكي.

تقود هذه المعطيات إلى عدد من الحقائق بينها الدفع نحو إبراز تشوهات الرأسمالية الليبرالية، وفشلها في التقاط أنفاسها مقابل تمكن رأسمالية الدولة من تحقيق نجاحات في جولات مقارعة الفيروس.

ولا تخلو إفرازات المنعطف الذي تقف عنده الراسمالية العالمية من تكريس للبعد الجيوسياسي في تفسير تعقيدات العلاقات الدولية باعتباره ضرورة يمليها تسارع البحث عن مناطق نفوذ في زمن كورونا وما بعده.

تواكب مثل هذه الأحداث متغيرات في المزاج العام فلم يكن مستغرباً أن تحدث تراكمات الأداء السياسي لمراكز القوة في النظام الراسمالي العالمي، بشقيه الدولتي والليبرالي، ردود فعل حادة لدى الشارع المصدوم في دول الاتحاد الاوروبي الأقل حظاً، أو مراكمة المزيد من الأوهام لدى شرائح وقوى سياسية في الدول العاجزة عن تجاوز هشاشتها.

ومع استمرار الأزمة يتكشف ضعف قيم الحرية والمشاركة السياسية بمفهومها الليبرالي، مقابل حضور الدولة في دول الجنوب، ما يترك انطباعاً بانحسار تأثير الليبراليين في المرحلة المقبلة.

قد تكشف احتمالات صعود رأسمالية وتراجع أخرى عن تشوهات جديدة في نظام عالمي آيل للسقوط، لكنه لا يعني بالضرورة تجاوز الدول العربية، ومخلفات الاتحاد السوفيتي التائهة، وبعض دول القارة العجوز حقائق هشاشتها، وأزماتها المستعصية، أو تجنيبها متطلبات التكيف مع الرأسمالية الصاعدة، ومجاراة أنماط جديدة من التبعية للمراكز المالية.